ومن أشهر الصحفة المكتوبة في العصر النبوي «الصحيفة الصادقة» التي كتبها جامعها عبد الله بن عمرو بن العاص (65) من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1). وقد اشتملت على ألف حديث كما يقول ابن الأثير (¬2)، وإذا لم تصل هذه الصحيفة - كما كتبها عبد الله بن عمرو بخطه فقد وصل إلينا محتواها، لأنها محفوظة في " مسند الإمام أحمد " (¬3) حتى ليصح أنَّ نصفها بأنها أصدق وثيقة تاريخية تثتب كتابة الحديث على عهده - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -. ويزيدنا اطمئناناً إلى صحة هذه الوثيقة أنها كانت نتيجة طبيعية محتومة لفتوى النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله
¬_________
= أبو جعفر الباقر (- 114) وعبد الله بن محمد بن عقيل (ترجمته في " خلاصة التذهيب ") وكان هؤلاء الأعلام الثلاثة «ينطلقون إلى جابر، فيسألونه عن سُنن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وعن صلاته، فيكتبون عنه ويتعلَّمُون». انظر " تقييد العلم ": ص 104 وقارن بـ " طبقات ابن سعد ": 5/ 344 و" المحديث الفاصل ": 4 ورقة 3 وجه 1. والسؤال الذي يجدر بنا أنْ نطرحه الآن بعد قراءة هذا النص: إذا كان هؤلاء الأعلام يكتبون عن جابر وَيَتَعَلَّمُونَ، أفلم يُفكِّرْ أحدٌ منهم بكتابة صحيفته عنه أو أحاديث منها؟
(¬1) قد صرَّحَ عبد الله بن عمرو بكتابة هذه الصحيفة بنفسه فقال: «الصادقة صحيفة كتبتُها من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» " تقييد العلم ": ص 84، وكان ابن عمرو يعظِّمُ أمر هذه الصحيفة ويقول: «مَا يُرَغِّبُنِي فِي الحَيَاةِ إِلاَّ خَصْلَتَانِ الصَّادِقَةُ وَالوَهْطُ، فَأَمَّا الصَّادِقَةُ فَصَحِيفَةٌ كَتَبْتُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا الوَهْطُ فَأَرْضٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَمْرُو بْنُ العَاصِ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهَا».انظر " جامع بيان العلم ": 1/ 73 وقارن بـ " المحدث الفاصل " جـ 4 ورقة 2 وجه 2 و" سنن الدارمي ": 1/ 127.
وتضعيف السيد رشيد رضا لهذا الحديث (في مجلة " المنار ": المجلد 10 ص 766) - لوجود الليث في إسناده - لا ينبغي أنْ يكون له أثر في إضعاف سائر الروايات التي تُصَوِّرُ عبد الله بن عمرو يعني بصحفته الصادقة عناية خاصة، ويعنى - بتعبير أدق - بكتابة ما كان يسمعه من الرسول - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فيها، فقد ثبتت هذه الفكرة في عدد من المصادر الموثوقة وقد أشرنا إلى أهمها.
(¬2) ابن الأثير في " أُسْد الغابة " ترجمة عبد الله بن عمرو: 3/ 233.
(¬3) انظر مسند عبد الله بن عمرو في " مسند الإمام أحمد ": 2/ 158 - 226.