الحفظ (¬1). وراح الشعبي (- 104 هـ) يُرَدِّدُ العبارة المشهورة التي كانت صدى لحديث مرفوع إلى الرسول تناقله الصحابة والتابعون: «الكِتَابُ قَيْدُ العِلْمِ» (¬2). وينبه على فائدة الكتابة فيقول: «إِذَا سَمِعْتُمْ مِنِّي، شَيْئًا فَاكْتُبُوهُ وَلَوْ فِي حَائِطٍ» (¬3)، ويظهر أنه كتب بنفسه بعض العلم فقد وجدوا له بعد موته كتاباً في الفرائض والجراحات (¬4). أما مجاهد بن جبر المكي (- 103 هـ) فكان يصعد بالناس إلى غرفته فَيُخْرِجُ إليهم كُتُبَهُ فينسخون منها (¬5)، ومضى عطاء بن أبي رباح (- 114 هـ) يكتب لنفسه ويأذن بالكتابة لسواه (¬6)، وقتادة بن دعامة السدُوسي (- 118 هـ) لَمْ يَتَرَدَّدْ في إجابة الذي استفتاه في الكتابة بقوله الصريح له: «وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَكْتُبَ وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أَنَّهُ يَكْتُبُ: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى}» (¬7).
وأغلب الظن أنَّ الخليفة الورع التقي عمر بن عبد العزيز (- 101 هـ) حين أمر رَسْمِيًّا بالشروع في تدوين الحديث إنما استند إلى آراء العلماء، ولعله لم يقدم
¬__________
(¬1) " جامع بيان العلم ": 1/ 73 و " تقييد العلم: ص 99.
(¬2) " تقييد العلم ": ص 99 والعبارة المشهورة عن الرسول في هذا هي كما رأينا «قيِّدُوا العِلْمَ بِالكِتَابِ».
(¬3) " تقييد العلم ": ص 100.
(¬4) " تاريخ بغداد ": 11/ 232.
(¬5) انظر " سنن الدارمي ": 1/ 128 و" تقييد العلم ": ص 105. على أَنَّ في " سنن الدارمي " نفسها: 1/ 121 ما يشير إلى كره مجاهد أنْ يكتب العلم في الكراريس.
(¬6) انظر " الإلماع " للقاضي عياض: ورقة 27 الوجه الأول و" سنن الدارمي ": 1/ 125.
(¬7) [طه: 52] وانظر " تقييد العلم ": ص 103 ويروي عنه الدارمي في " سننه ": 1/ 120 - مع ذلك - ما يفيد كراهته الكتابة.