كتاب علوم الحديث ومصطلحه (اسم الجزء: 1)

وَالسُنَّةُ - في الأصل - ليست مساوية للحديث، فإنها - تبعاً لمعناها اللغوي - كانت تطلق على الطريقة الدينية التي سلكها النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سيرته المُطَهَّرَة، لأَنَّ معنى السُنَّةِ لغة الطريقة. فإذا كان الحديث عَامًّا يشمل قول النبي وفعله، فَالسُنَّةُ خَاصَّةٌ بأعمال النبي - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -. وفي ضوء هذا التباين بين المفهومين ندرك قول المُحَدِّثِينَ أَحْيَانًا: «هَذَا الحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَالسُنَّةِ وَالإِجْمَاعِ»، أو قولهم: «إِمَامٌ فِي الحَدِيثِ، وَإِمَامٌ فِي السُنَّةِ، وَإِمَامٌ فِيهِمَا مَعًا» (¬1) وأغرب من هذا كله أَنَّ أحد المفهومين يدعم بالآخر، كأنهما متغايران من كل وجه، حتى صَحَّ أنْ يذكر ابن النديم كِتَابًا بعنوان " كتاب السُنن بشواهد الحديث " (¬2).

وحين عَبَّرَ الإسلام عن الطريقة بِالسُنَّةِ لم يفاجئ العرب، فلقد عرفوها بهذا المعنى كما عرفوا نقيضها وهي البدعة (¬3). وكان في وسعهم أَنْ يفهموا منها هذا المعنى حتى عند إضافتها إلى اسم الجلالة في مثل قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} (¬4). أما الذين سمعوا لفظها من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مثل قوله: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» (¬5)، فما كان لهم حِينَئِذٍ أَنْ يَتَرَدَّدُوا في انصرافها إلى أسلوبه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وطريقته في حياته الخاصة والعامة.
¬__________
(¬1) من ذلك ما يراه عبد الرحمن بن مهدي (- 198) «مِنْ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ إِمَامٌ فِي الحَدِيثِ، وَالأَوْزَاعِيَّ إِمَامٌ فِي السُنَّةِ وَلَيْسَ بإِمَامٍ فِي الحَدِيثِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِمَامٌ فِيهِمَا جَمِيعاً». انظر " الزرقاني على الموطأ ": 1/ 4 وقابله بـ « Trad Islam.12 , 14» .
(¬2) " الفهرست " لابن النديم: ص 220.
(¬3) انظر " الأغاني ": 7/ 119 وفيما يتعلق بالبدعة: 7/ 114.
(¬4) [سورة الأحزاب، الآيتان: 38 و 62].
(¬5) سنن ابن ماجه 1/ 16 رقم الحديث 42.

الصفحة 6