كتاب السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي (اسم الجزء: 1)

وَالْخَوَارِجُ: إِنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ لاَ يُوَجِبُ العِلْمَ. وَقَالُوا: مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا أَوْ خَطَأً فَلاَ يَحِلُّ الحُكْمُ بِهِ فِي دِينِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلاَ أَنْ يُضَافَ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَلاَ إِلَى الرَّسُولِ» (¬1)، وَيَنْسِبُ ابْنُ القَيِّمِ فِي "إِعْلاَمِ المُوَقِّعِينَ " إِلَى المُعْتَزِلَةِ «أَنَّهُمْ رَدُّوا النُّصُوْصَ الصَرِيَحَةَ المُحْكَمَةٌ الوَارِدَةِ فِي ثُبُوتِ الشَّفَاعَةُ لِلْعُصَاةِ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ بِالمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [سورة المدثر، الآية: 48]» (¬2).

وهذه النُّقُولُ - كما ترى - متضاربة لا تعطينا حُكْمًا صحيحاً في المسألة، وقد رأيت أن أرجع إلى كُتُبِ الكَلاَمِ فأقف على ما يذكره علماء الملل والنحل عن المعتزلة من رأيهم في هذه المسألة، فرأيت الإمام أبا منصور البغدادي وصاحب " المواقف " وَالرَّازِي ينقلون عن النَظَّامِيَّةِ (وهم فرقة من المعتزلة) إنكار حُجِيَّةَ المتواتر وإفادته العلم، وتجويز وقوع التواتر كذباً واجتماع الأُمَّةِ على الخطأ كما نسب الرَّازِي إلى النَظَّامِيَّةِ إنكار حُجِيَّةَ خبر الآحاد.
ولما كانت النَظَّامِيَّةُ فرقة من اثنين وعشرين فرقة للمعتزلة (¬3) وكان موقفهم مِنَ السُنَّةِ يتوقف على موقفهم من الصحابة، فقد رأيت أن أنقل إليك ما ذكره الإمام أبو منصور البغدادي المُتَوَفَّى سَنَةَ (- 429 هـ) في كتابه " الفَرْقُ بَيْنَ الفِرَق " عن هذه الفرق وموقفها من الصحابة وموقف زعمائها من الحديث.
قال - بعد أن ذكر ما تجتمع فيه فرق المعتزلة من عقائد ثم أخذ يذكر ما يختلفون فيه فبدأ بذكر الوَاصِلِيَّةِ:

واصل بن عطاء توفي سَنَةَ (131)

قال - أثناء كلامه عن فرقة الوَاصِلِيَّةِ أتباع واصل بن عطاء -: «ثُمَّ إِنَّ وَاصِلاً فَارَقَ السَّلَفَ بِبِدْعَةٍ ثَالِثَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ أَهْلَ عَصْرِهِ مُخْتَلِفِينَ فِي عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، وَفِي طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ وَسَائِرَ أَصْحَابِ الجَمَلِ، فَزَعَمَتْ الخَوَارِجُ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ وَأَتْبَاعِهِمْ يَوْمَ الجَمَلِ كَفَرُوا بِقِتَالِهِمْ عَلِيًّا، وَأَنَّ عَلِيًّا كَانَ عَلَى الحَقِّ فِي قِتَالِ
¬__________
(¬1) " الإحكام ": 1/ 119.
(¬2) " إعلام الموقعين ": 2/ 221.
(¬3) " الفرق بين الفرق ": ص 67.

الصفحة 135