كتاب السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي (اسم الجزء: 1)

وفي سبيل إثبات القواعد الفقهية طرقوا باباً آخر غير الروايات الشفوية وذلك بإظهار صحف مكتوبة تُبَيِّنُ إرادة الرسول، وقد وجد هذا النوع تصديقاً في هذا العصر. وإذا ما دار الأمر حول نسخة من هذه الصحف فإنهم لا يسألون عن أصلها المنسوخة عنه. ولا يبحثون عن صِحَّتِهَا، ونستطيع أنْ نَتَبَيَّنَ جُرْأَةَ الوَاضِعِينَ من هذا الخبر. ذلك أنهم في عصر الأُمَوِيِّينَ حاول بعض الناس التوفيق بين عرب الشمال وعرب الجنوب، فأظهروا حِلْفاً كان في عصر تُبَّع بن معد يكرب بين اليمنية وربيعة، وقد وجدوا هذا محفوظاً عند بعض أحفاد هذا الأمير الحِمْيَرِيِّ. فهؤلاء الذين يقبلون مثل هذا لا يكون من الصعب عليهم أنْ يعترفوا بمثله مِمَّا هو أقرب عهداً. ونعني بهذا مسألة «تعريف الصدقة» عن صغار البقر وكبارها، فقد وردت في ذلك أحاديث مختلفة، ولكن لم يصح منها شيء ليأخذ منه جامعو الحديث نصوصاً تحتوي على نظام للدفع مفصل، فرجع الناس إلى وصايا مكتوبة عن الزكاة ما وصى به الرَّسُولُ رُسُلَهُ إلى البلاد العربية، مثل وَصِيَّتِهِ إلى معاذ بن جبل، وكتابه إلى عمرو بن حزم وغيرهما، ما روي لنا محتوياتها رَاوُو الحديث، ولم يكتف الناس بهذه النسخ المنقولة عن أصول. بل أظهروا أيضاًَ بعض هذه الأصول القديمة فهناك وثيقة كانت عند ابن عمر، أمر عمر بن عبد العزيز بنقل نسخة منها، وقد روى أبو داود تصحيح الزُّهْرِيِّ لها.

وهناك وثيقة أخرى بختم الرسول، ذكرها أبو داود أيضاًً، وقد أظهرها حماد بن أسامة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس. وكان أبو بكر قد وَجَّهَهَا لأنس بن مالك عندما ذهب لجمع الصدقات» اهـ.

قال الدكتور بعد ذلك «هذا هو الرأي الذي ساد أوساط المُسْتَشْرِقِينَ في القرن الماضي. ثم ذكر أنه سادت في أوساطهم في العصر الحديث نظرية تخالف هذه النظرية وتتفق في نتيجتها مع وجهات النظر الإسلامية، واكتفى المؤلف بذكرالنظرية الجديدة دُونَ أن يُعَقِّبَ على هذه أو تلك، وكفى الله المؤمنين القتال! ..

الصفحة 194