كتاب السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي (اسم الجزء: 1)

الجواب:

إذا أمعنت النظر فيما قدمته في هذه الرسالة من حرص الصحابة على حفظ حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونقله وحرص التَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعِينَ فمن بعدهم، على نقل هذا الحديث وجمعه وتنقيته من شوائب التحريف والتزيد، وما قام به علماء السُنَّةِ من جهود جبارة في تتبع الكَذَّابِينَ والوَضَّاعِينَ، وفضح نواياهم ودخائلهم، وبيان ما زادوه في السُنَّةِ من أحاديث مكذوبة، حتى جمعت السُنَّة في كتب صحيحة، وأشبعها النُقَّاد بحثاً وتمحيصاً، ثم خرجوا من ذلك إلى الاعتراف بصحتها والتسليم بها، إذا أمعنت النظر في ذلك كله، أيقنت أنَّ هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ يخبطون في أودية الأوهام، ويتأثرون بأهوائهم وتعصبهم في الحُكْمِ على حقائق يعتبر العبث بها في نظر المُحَقِّقِ المنصف إسفافاً وتلاعباً بالعلم، وإخضاعاً لحقائق التاريخ إلى نظريات الهوى والعصبية.

هده كلمة مجملة لا نريد بها رداً على هؤلاء، ولكنا نريد أنْ نلفت نظر القارىء المنصف إلى ما بين يديه من حقائق، حتى لا تغيب عنه حين نريد أنْ نُنَاقِشَ دعوى هؤلاء المُتَعَصِّبِينَ، وسنحرص فيما يلي على مناقشة هذه الدعوى مناقشة موجزة في بعضها اكتفاء بما سبق لنا بيانه تحقيقاً لما لم نتعرض له من قبل ..

هل كان الحديت نتيجة لتطور المُسْلِمِينَ؟

يقول جولدتسيهر: «إنَّ القسم الأكبر من الحديث ليس إلاَّ نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للاسلام في القرنين الأول والثاني». ولا ندري كيف يجرؤ على مثل هذه الدعوى، مع أنَّ النقول الثابتة تُكَذِّبُهُ ومع أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلاَّ وقد وضع الأسس الكاملة لبنيان الإسلام الشامخ، بما أنزل الله عليه في كتابه، وبما سَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من

الصفحة 195