كتاب السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي (اسم الجزء: 1)

أما رأيي في نتائج البحث الذي تضمنه كتابه، فإنها تتلخص فيما يلي:
(أَوَلاً) - إنه يذهب إلى أن السُنَّةَ لَمْ تُدَوَّنْ في عهد النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنه يرى كما يرى جمهور العلماء، من أن سبب ذلك هو نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا ما يتفق مع جمهور الباحثين قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
(ثَانِياً) - أنه يرى أن عدم تدوين السُنَّةِ في عهد النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَّى إلى وجود الخلاف بين فِرَقِ المُسْلِمِينَ، كما أدى إلى الوضع والكذب في الحديث مِمَّا كان له أكبر الضرر في ضياع السُنَّةِ الحقيقية.

ويؤدي هذا إلى أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو سبب هذه الأضرار في رأيه. ويلزم من هذا أن النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لو كانت له مثل هذه الفطنة التي وصل إليها «أَبُو رَيَّةَ» في تحقيقه «العلمي» لما نشأت هذه الأضرار!! ولا أدري إن كان «أَبُو رَيَّةَ» يرضى بهذه النتيجة الفجة! ولا أظن مسلماً يؤمن بالله واليوم الآخر وبرسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذهب به الغرور إلى هذا الحد.

ونحن نعتذر له بأن «لازم المذهب ليس بمذهب» كما قال علماؤنا - رَحِمَهُمْ اللهُ -، وأنه لا يمكن أن تعتقد ما يلزم رأيه من تلك النتيجة القبيحة.

(ثَالِثاً) - إِنَّ السُنَّةَ الصحيحة - ولو كانت صحيحة بحسب مقياسه فحسب - ليست ديناً عَامًّا يُلْزَمُ المُسْلِمُونَ بِاتِّبَاعِهِ، وأن الدين العام هو ما جاء في القرآن، لأنه متواتر، وفي السُنَّةِ العَمَلِيَّةِ، لأنها من حيث العمل بها أصبحت متواترة.

وما عدا ذلك - وَهِيَ السُنَّةُ القَوْلِيَّةُ - فليس يلزم العمل بها، بل لكل إنسان أن يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء، ذلك لأن تركها ليس بكفر، وما كان كذلك فكل مسلم في سَعَةٍ من العمل به أو هجره!!

وعدا ما في هذا الرأي الخطير من مخالفة صريحة لكتاب الله، ومن قضاء على التراث التشريعي الإسلامي كله، فإنه دعوة إلى فوضى في العقيدة والتشريع لا يقول بها رجل يحترم نفسه، ويحترم شريعته، ويحترم كيان أُمَّتِهِ الاجتماعي.

الصفحة 29