كتاب السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي (اسم الجزء: 1)

أعقل أهل السُنَّة والجماعة؟ هذا لا يُرْضِي الشِيعَةَ، ولا المعتزلة.
أم عقل الشِيعَةِ؟ هذا لا يرضي أَهْلَ السُنَّةِ، ولا الخوارج.
أم عقل المعتزلة؟ إنه لا يرضى جمهور طوائف المُسْلِمِينَ!
فأي عقل ترتضون؟

سيقول أَبُو رَيَّةَ: «إنني أرتضي عقل المعتزلة، لأنهم أصحاب العقول الصريحة» ونحن سنعرض على أَبِي رَيَّةَ مثالاً لما رفضه عقل المعتزلة من حديث:
يحكي ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث " أن مِمَّا رَدَّهُ المعتزلة حديث «إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِأَصْوَاعَ مِنْ شَعِيرٍ» فقد قالوا فيه بأنه حديث يُكَذِّبُهُ النظر (¬1) (أي النظر العقلي) ثم شرح ابن قتيبة رأيهم هذا بما تستطيع الرد عليه بأيسر الرد وأقربه إلى العقل والنظر ...

فما رأي «أَبِي رَيَّةَ» وأضرابه في إنكار عقل المعتزلة لمثل هذا الحديث؟ على أن ابن قتيبة تتبع كل ما أنكرته عقولهم من الأحاديث، وأجاب عنها بأجوبة حَالَفَهُ التوفيق في أكثرها. وللأحاديث التي نرى أنه لم يوفق في الإجابة عنها أجوبة للعلماء مقبولة معقولة، وإني سأضرب للقارئ مثلاً عن هذا النقاش الذي دار بين عقل ابن قتيبة «المُحَدِّثِ» وبين عقل فلان «المُعْتَزِلِي».

قال ابن قتيبة:
قالوا (أي المعتزلة): حديث يفسد أوله آخره، رويتم عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إَذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثًلاًثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» قالوا: وهذا الحديث جائز لولا قوله: «فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وما مِنَّا مِنْ أحد إلا وقد درى أن يده باتت حيث بات بدنه وحيث باتت رجله وأذنه وأنفه وسائر أعضائه، وأشد الأمور أن يكون مَسَّ بها فرجه في نومه، ولو أن رجلا مَسَّ فرجه في يقظته، لَمَا نقض ذلك من
¬__________
(¬1) ص 176.

الصفحة 40