كتاب السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي (اسم الجزء: 1)

2 - الكَاذِبُونَ في أحاديثهم العامة: ولو لم يكذبوا على الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد اتفقوا على أن من عُرِفَ عنه الكذب ولو مرة واحدة ترك حديثه، قال مالك - رَحِمَهُ اللهُ -: «لاَ يُؤْخَذُ العِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ: رَجُلٌ مُعْلِنٌ بِالسَّفَهِ وَإِنْ كَانَ أَرْوَى النَّاسِ، وَرَجُلٌ يَكْذِبُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتُ لَا أَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصَاحِبُ هَوَىً يَدْعُو النَّاسَ إِلَىَ هَوَاهُ، وَشَيْخٌ لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ» (*).
وأما من تاب من كذبه وعرفت عدالته بعد ذلك، فالجمهور على قبول توبته وخبره، وخالف أبو بكر الصيرفي فقال: «كُلُّ مَنْ أَسْقَطْنَا خَبَرَهُ مِنْ أَهْلَ النَّقْلِ بِكَذِبٍ وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ نَعُدْ لِقَبُولِهِ بِتَوْبَةٍ تَظْهَرُ».

3 - أصحاب البدع والأهواء: وكذلك اتفقوا على أنه لا يقبل حديث صاحب البدعة إذا كفر ببدعته، وكذا إذا استحل الكذب وإن لم يكفر ببدعته، أما إذا لم يستحل الكذب فهل يقبل أم لا؟ أو يُفرِّق بين كونه داعية أو غير داعية؟ قال الحافظ ابن كثير: «فِيْ ذَلِكَ نِزَاعٌ بَيْنَ قَدِيمٍ وَحَدِيثٍ، وَالذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُونَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرِهِ (¬1). وَقَدْ حُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَى ابْنُ حِبَّانَ عَلَيْهِ الاتِّفَاقَ فَقَالَ: " لاَ يَجُوزُ الاحْتِجَاجُ بِهِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً، لاَ أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلاَفًا ". وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعِ اتِّفَاقٍ كَمَا ادَّعَى ابْنُ حِبَّانَ، فَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ لِعِمْرَانَ بْنِ حَطَّانَ الخَارِجِيَِّ مَادِحَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ وَقَدْ كَانَ مِنْ أَكْبَرِ الدُّعَاةِ إِلَى رَأْيِ الْخَوَارِجِ، وَأَيِضَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الأَهْوَاءِ إِلاَّ الخَطَّابِيَّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ، لأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ "» (¬2).
وقد نقل الإمام عبد القادر البغدادي في كتابه " الفرق بين الفرق " أن الشافعي عدل أخيراً عن رأيه في قبول شهادة أهل الأهواء وزاد في الاستثناء المعتزلة (¬3) والذي يظهر لي أنهم يرفضون رواية المبتدع إذا روى ما يوافق بدعته، أو كان من طائفة عرفت بإباحة
¬__________
(¬1) فالداعية إلى بدعته لا تقبل روايته، وغير الداعية تقبل.
(¬2) اختصار علوم الحديث: ص 107.
(¬3) " الفرق بين الفرق ": ص 103.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) [قارن بما ورد في كتاب " أبو هريرة راوية الإسلام " للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 45، نقلاً عن " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ": ص 79: أ - ب. و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: ص 32، جـ 1.
قال الإمام مالك: «لاَ يُؤْخَذُ الْعِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ سِوَى ذَلِكَ: لاَ يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، وَلاَ مِنْ سَفِيهٍ مُعْلِنٌ بِالسَّفَهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ يَكْذِبُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ لاَ تَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ لَهُ فَضْلٌ وَصَلاَحٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ»]. وانظر أيضًا " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " للرامهرمزي، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، ص 403، الطبعة الثالثة: 1404 هـ، نشر دار الفكر - بيروت].

الصفحة 93