كتاب السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي (اسم الجزء: 1)

مثل هذه الحالة على التاريخ، تاريخ مواليد الرُّوَاة وإقامتهم ورحلاتهم وشيوخهم ووفاتهم. ولذلك كان علم الطبقات علماً قائماً بذاته لا يستغني عنه نُقَّادُ الحديث، قال حفص بن غياث القاضي: «إِذَا اتَّهَمْتُمْ الشَّيْخَ فَحَاسِبُوهُ بِالسِّنِينَ»، يعني سِنُّهُ وسِنُّ من كتب عنه، وقال سفيان الثوري: «لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الكَذِبَ اسْتَعْمَلْنَا لَهُمْ التَّوَارِيخَ».

4 - وقد يستفاد الوضع من حال الراوي وبواعثه النفسية، مثل ما أخرجه الحاكم عن سَيْفِ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ قَالَ [كُنْتُ] عِنْدَ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ فَجَاءَ ابْنُهُ مِنَ الكُتَّابِ فَقَالَ: " مَالَكَ؟ " قَالَ: " ضَرَبَنِي الْمُعَلِّمُ " فَقَالَ: " لأُخْزِيَنَّهُمُ اليَوْمَ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ، أَقَلُّهُمْ رَحْمَةً لِلْيَتِيمِ وَأَغْلَظُهُمْ عَلَى المِسْكِينِ» ومثل حديث «الهَرِيسَةُ تَشُدُّ الظَهْرَ» فإن واضعه محمد بن الحجاج النخعي، كان يبيع الهريسة.

عَلاَمَاتُ الوَضْعِ فِي المَتْنِ:
أما علامات الوضع في المتن فهي كثيرة أهمها:

1 - ركاكة اللفظ: بحيث يدرك العليم بأسرار البيان العربي أن مثل هذا اللفظ ركيك لا يصدر عن فصيح ولا بليغ فكيف بسيد الفصحاء - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال الحافظ ابن حجر: «وَمَحَلُّ هَذَا إِنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: «وَكَثِيرًا مَا يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ - أَيْ بِالْوَضْعِ - بِاعْتِبَارِ أُمُورٍ تَرْجِعُ إِلَى الْمَرْوِيِّ [وَأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ]، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُمْ - لِكَثْرَةِ مُحَاوَلَةِ أَلْفَاظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَيْئَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، وَمَلَكَةٌ قَوِيَّةٌ يَعْرِفُونَ بِهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَلْفَاظِ النُّبُوَّةِ، وَمَا لاَ يَجُوزُ» (¬1).
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: «وَشَاهِدُ هَذَا أَنَّ إِنْسَانًا لَوْ خَدَمَ إِنْسَانًا سِنِينَ، وَعَرَفَ مَا يُحِبُّ، وَمَا يَكْرَهُ، فَادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ شَيْئًا، يَعْلَمُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحِبُّهُ، فَبِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِ يُبَادِرُ إِلَى تَكْذِيبِهِ» (¬2).

2 - فساد المعنى: بأن يكون الحديث مخالفاً لبدهيات العقول من غير أن يمكن تأويله مثل: «إِنَّ سَفِينَةَ نُوحٍ طَافَتْ بِالبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّتْ عِنْدَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ» أو أن يكون مخالفاً للقواعد العامة في الحكم والأخلاق مثل «جَوْرُ التُّرْكِ وَلاَ عَدْلَ العَرَبِ» أو داعياً إلى الشهوة والمفسدة مثل «النَّظَرُ إِلَى الوَجْهِ الحَسَنِ يُجْلِي البَصَرَ»
¬__________
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(¬1) [انظر: " فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي " للسخاوي، تحقيق علي حسين علي: 1/ 332، الطبعة الأولى: 1424 هـ - 2003 م، نشر مكتبة السُنَّةِ مصر].
(¬2) [انظر: " تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي " للإمام السيوطي، تحقيق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف: 1/ 276، الطبعة الثانية: 1399 هـ - 1979 م، نشر دار إحياء السُنَّةِ النبوية].

الصفحة 98