كتاب العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

الحواريين أعلم بالله من أن يشكوا فيه:
حمل جمهور العلماء من المفسرين: قراءة يستطيع ربك على قراءة تستطيع ربك بنصب ربك بمعنى: هل تستطيع أنت أن تسأل ربك نزول المائدة. وقالوا: إن القوم أعلم من أن يشكوا في قدرة الله. وقراءة يستطيع قالوا عنها: يستطيع بمعنى: يُجيبك ربك ويطيع لك في هذا. وهذا مشهور في كلام العرب.
قال ابن تيمية: وكذلك قول الحواريين: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ). إنما استفهموا عن هذه القدرة (¬1) وكذلك ظن يونس أن لن نقدر عليه أي فسر بالقدرة كما يقال للرجل هل تقدر أن تفعل كذا؟ أي: هل تفعله؟ وهو مشهور في كلام الناس (¬2). ا. هـ.
وقال بعض أهل العلم: إنهم شكوا في قدرة الله وفي صحة رسالة نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأنهم وقعوا في هذا قبل أن تستحكم المعرفة في قلوبهم وحملوا المعنى على هذا وقالوا إن القوم كفروا بهذا القول واستتابهم نبيهم، صلى الله عليه وسلم، من هذا القول بقوله: (اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وهذا ترجيح الإمام الطبري وكذلك قولهم (وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا).
قال الإمام الطبري أنهم شكوا في رسالته لذلك هو رجح كفرهم وجمهور المفسرين قالوا: أي نزداد يقينا وتصديقاً في رسالته، وأن القوم لم يشكوا بل طلبوا آية حسية يزدادون بها يقيناً وصدقاً خالصاً من الخواطر والهواجس النفسية.
فهل بعد هذا التفصيل -بفضل الله تعالى- لكلام المفسرين من شبهة بقيت للاحتجاج بها على قضية العذر بالجهل؟.
فالعلماء منهم من رجح الشك فكفروهم ولم يعذروهم.
والجمهور على أن القوم لم يشكوا وأنهم أعلم بالله من هذا وهو الراجح من القول وهو قول علي وعائشة وابن عباس ومجاهد (¬3) وأنهم طلبوا آية حسية يزدادون بها يقيناً وصدقاً.
ولم يقل أحد من العلماء: أنهم شكوا في قدرة الله وصحة الرسالة وعُذروا بهذا.
¬_________
(¬1) أي القدرة المقارنة للمقدور أي: هل قدر هذا -وليست القدرة على الفعل.
(¬2) جـ: 8 ص: 374 لمجموع الفتاوى.
(¬3) يراجع تفسير الإمام البغوي.

الصفحة 225