كتاب العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

رسوله، صلى الله عليه وسلم، فبما أخبرهم عن ربهم من الأخبار، وقد قال عيسى لهم عند قيلهم ذلك له استعظاماً منه لما قالوا: (اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
ففي استتابة الله إياهم ودعائه لهم إلى الإيمان به وبرسوله، صلى الله عليه وسلم، عند قيلهم ما قالوا من ذلك واستعظام نبي الله، صلى الله عليه وسلم، كلمتهم الدلالة الكافية من غيرها على صحة القراءة في ذلك بالياء ورفع "الربُ" ...
وأما قوله: "قَالَ اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" فإنه يعني: قال عيسى للحواريين القائلين له: " هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ " راقبوا الله أيها القوم وخافوا أن ينزل بكم من الله عقوبة على قولكم هذا، فإن الله لا يعجزه شيء أراده.
وفي شككم في قدرة الله على إنزال مائدة من السماءكفر به فاتقوا الله أن ينزل بكم نقمته إن كنتم مؤمنين. ا. هـ.
قلت: فهل بعد سرد كلام العلماء في هذه الآية تبقى شبهة في الاحتجاج بها في قضية العذر بالجهل في أصل الدين؟ اترك للقارئ الفاضل الإجابة على هذا السؤال.
الشبهة الثالثة:
الاستدلال بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ) [التوبة: 115]. وقالوا: الضلال لا يكون إلا بعد بيان وهذا النص يعم الشرك وما دونه ولفظ الضلال في هذا لا يقع إلا بعد البيان -والجواب.
منهج أهل السنة في الاستنباط:
إن أهل السنة عندما يريدون أن يستنبطوا حكماً معيناً ينظرون إلى الأدلة على أنها مجتمعة لا متفرقة وعلى أن القرآن يصدق بعضه بعضاً لا يكذب بعضه بعضاً لقوله تعالى: (كِتَاباً مُّتَشَابِهاً). أي: يشبه بعضه بعضاً لا اختلاف فيه، ولقوله تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً). فعند الجمع بين أطراف الأدلة وتنزيل كل دليل على مناطه يتضح الحكم ويظهر بقوة وبيان وجلاء، أما أهل البدع والعياذ بالله فينظرون بنظرة متشابه وعلى آحاد الأدلة ويقتطعون الشرع ويضربون بعضه ببعض.
ففي هذه الآية ينفي القرآن فيها الضلال إلا بعد البيان ولكن هذا فيما دون الشرك والكفر لأن القرآن أثبت الضلال قبل البيان في مواضع كثيرة كقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي

الصفحة 228