كتاب العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

(وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ). والحديث الصحيح -ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي-.
فالشرك قبل البعثة قبح وضلال وغياب عن سنن الهدى وسبب للعذاب إلا أنه متوقف على شرط وهو البعثة الرسالية لذلك كما قال ابن تيمية سابقا (واسم المشرك ثبت قبل الرسالة لأنه يشرك بربه) وابن القيم. أن الحجة في الشرك العقل وأما الحجة الرسالية فهي حجة في العذاب.
وبهذا يعلم أن الضلال قبل البيان خروج عن الصراط المستقيم وأصحابه قطعا إن كانوا واقعين في الشرك فليسوا بمسلمين بيد أنهم لا يعذبون في الدارين هذا على المذهب الراجح -إلا بعد البلاغ والحجة الرسالية.
وعلى هذا يفهم قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ). فالمقصود بالضلال الذي يكون بعد البعثة: هو الضلال الذي يستوجب صاحبه العذاب في الدارين بعد قيام الحجة عليه وإلا فالقوم قبلها في ضلال مبين لأن الأنبياء يُرسلون إلى أقوامهم المشركين يدعونهم إلى الفطرة الصحيحة والإسلام والعبادة التي خلقوا من أجلها فهم قبلهم في ضلال مبين وجور عن الصراط المستقيم وليسوا بمهتدين لذلك قال الله -عز وجل-: (فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ) لأنهم لم يكونوا قبل البعثة على الهدى والصراط المستقيم ولهذا أثبت القرآن الضلال قبل البيان والبعثة كما ذكرت من قبل وهذا في الكثير الكثير من الآيات على سبيل المثال لا الحصر إضافة إلى الآيات السابقة.
قوله تعالى: (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ) أي: لئلا تضلوا وكراهية أن تضلوا.
فالمشركون قبل البعثة ضلّال لا ريب في ذلك ولكن بعد الحجة الرسالية إن أصروا على شركهم وغيهم فقد استوجبوا العذاب في الدارين قال الله -عز وجل-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم: 1].
قال الإمام الشوكاني: (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ). لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور العلم والإيمان والهداية. ا. هـ.

الصفحة 234