كتاب العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة بقايا من أهل العلم.
فالهدى الحاصل لأهل الأرض إنما هو من نور النبوة كما قال تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى).
فأهل الهدى والفلاح هم: المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون في كل زمان ومكان. وأهل العذاب والضلال هم: المكذبون للأنبياء، يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء. فهؤلاء في: ضلال وجهل وشرك وشر لكن الله يقول: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). وقال: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ). وقال: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ).
فهؤلاء لا يهلكهم الله ويعذبهم حتى يرسل إليهم رسولاً. وقد رويت آثار متعددة في أن من لم تبلغه الرسالة في الدنيا فإنه يبعث إليه رسول يوم القيامة في عرصات القيامة (¬1). ا. هـ.
ففي هذا النقل يبرهن فيه شيخ الإسلام على أن أهل الهدى والفلاح هم: المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون.
وأهل العذاب والضلال هم: المكذبون للأنبياء وهذا هو الكفر المعذب عليه.
يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء إذاً فهم لم يكذبوا فلم يقعوا في الكفر المعذب عليه بيد أنهم لم يتبعوهم أيضاً ووقعوا في الإشراك بالله.
فهؤلاء في ضلال وجهل وشرك وشر إلا إنهم لا يعذبون إلا بعد الحجة الرسالية. وهذا هو الكفر قبل الحجة وبلوغ الخبر.
ويلاحظ أن هذا النقل في الأمة المحمدية ولا يجرؤ أحد أن يقول إنهم مشركون على الإطلاق دون التعيين لأنه لو كان كذلك لما قال عنهم الشيخ: إنهم يمتحنون في العرصات لأنهم لو كانوا مسلمين لدخلوا الجنة دون امتحان. فثبوت الامتحان لهم دل على أنهم مشركون على التعيين.
¬_________
(¬1) جـ: 17 ص: 307 لمجموع الفتاوى.

الصفحة 281