كتاب العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

وعلى هذا التفصيل نراجع قراءة الطبقة السابعة عشر لابن القيم في كتابه طريق الهجرتين: طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أسوة بهم ..
وقد اتفقت الأمة: على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم ..
وقد صح عنه أنه قال، صلى الله عليه وسلم،: "إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة". وهذا المقلد ليس بمسلم، وهو عاقل مكلف، والعاقل المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر. وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف في تلك الحال وهو بمنزلة الأطفال والمجانين وقد تقدم الكلام عليه.
والإسلام: هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله برسوله واتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل.
فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً .. (ثم تحدث الشيخ عن الجاهل المعرض والجاهل العاجز عن إدراك الهدى والاثنان كافران إلا أن الأول معذب لإعراضه والثاني غير معذب ويمتحن في الآخرة) ..
بل الواجب على العبد: أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول. هذا في الجملة والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه. هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا: فهي جارية على ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أولياؤهم.
وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة وهو مبني على أربعة أصول:
(أحدها) أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه.
(الأصل الثاني) أن العذاب يستحق بسببين: أحدهما: الإعراض عن الحجة ...
الثاني: العناد لها بعد قيامها ...
وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفي الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل-.

الصفحة 285