كتاب العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

والإله: هو المعبود المألوه، وهذا يدل: على أنه من الممتنع المستحيل عقلاً أن يشرع الله عبادة غيره أبداً، وأنه لو كان معه معبود سواه لفسدت السموات والأرض.
فقبح عبادة غيره قد استقر في النظر والعقول وإن لم يرد النبي عنه شرع، بل العقل يدل على أنه: أقبح القبيح على الإطلاق وأنه من المحال أن يشرعه الله قط.
فصلاح العالم في أن يكون: الله وحده هو المعبود، وفساده وهلاكه في أن: يعبد مع غيره، ومحال أن يشرع لعباده ما فيه فساد العالم وهلاكه بل هو المنزه عن ذلك.
[إلى أن قال في ص: 12] وقوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) فنزه نفسه سبحانه وباعدها عن هذا الحسبان وأنه يتعالى عنه ولا يليق به لقبحه ولمنافاته لحكمته وملكه وإلهيته.
أفلا ترى: كيف ظهر في العقل الشهادة بدينه وشرعه وبثوابه وعقابه، وهذا يدل: على إثبات المعاد بالعقل كما يدل: على إثباته بالسمع وكذلك دينه وأمره وما بعث به رسله هو ثابت في العقول جملة ثم علم بالوحي فقد تطابقت شهادة العقل والوحي على توحيده وشرعه والتصديق بوعده ووعيده، وأنه سبحانه دعا عباده على ألسنة رسله إلى ما وضع في العقول حسنه والتصديق به جملة فجاء الوحي مفصلاً مبيناً ومقرراً ومذكراً لما هو مركوز في الفطر والعقول إلى أن قال: في ص: 39. والتحقيق في هذا أن سبب العقاب قائم قبل البعثة ولكن لا يلزم من وجود سبب العذاب حصوله، لأن هذا السبب قد نصب الله -تعالى- له شرطاً وهو بعثة الرسل، وانتفاء التعذيب قبل البعثة، هو لانتفاء شرطه لا لعدم سببه، ومقتضيه وهذا هو فصل الخطاب في هذا المقام (¬1) اهـ.
قلت: فمن آية الميثاق وما ترتب عليها من أحكام ومن هذا البحث في قضية تحسين وتقبيح الأفعال قبل الرسالة نخرج بما يلي:
أن حكم واسم الشرك ثابت قبل الرسالة والعلم والبيان، وأن الحجة عليه: العقل وآية الميثاق والآيات الكونية التي تدل على الوحدانية والفطرة التي فطر الله -جل ثناؤه- العباد عليها.
¬_________
(¬1) مفتاح دار السعادة جـ: 2 ص: 7: 39 - مكتبة الرياض الحديثة.

الصفحة 52