كتاب ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق

في الطعام, يعني أنه يؤخذ منها ما يصلح الكلام كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطعام وما زاد على ذلك, فإنه يفسده. وكذلك علم الحساب يحتاج منه إلى ما يعرف به حساب ما ينفع من قسم الفرائض والوصايا والأموال التي تقسم بين المستحقين لها والزوائد على ذلك مما لا ينتفع به إلا في مجرد رياضة الأذهان وصقالها لا حاجة إليه, ويشغل عما هو أهم منه. وأما ما حدث بعد الصحابة من العلوم التي توسع فيها أهلها وسموها علوما وظنوا أن من لم يكن عالما بها فهو جاهل أو ضال وكلها بدعة وهي من محدثات الأمور المنهي عنها. ثم ذكر من ذلك ما أحدث المعتزلة من الكلام في القدر وضرب الأمثال لله وما أحدثه أهل الرأي من الضوابط والقواعد العقلية والجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام. وكذلك ما أحدثه غيرهم من الكلام في العلوم الباطنة من المعارف وأعمال القلوب بمجرد الرأي والذوق والكشف.
قلت ومن ذلك ما أحدثه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من الكلام في الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم بمجرد التخرصات واتباع الظنون الكاذبة والتعاطي لما استأثر الله به من علم الغيب. وهذا هو الذي أودعه الصواف في كتابه وزعم أن الكثير من الشباب اليوم في حاجة ماسة إلى معرفته, وهذا إن لم يكن شرا من علم التأثير الذي لا خلاف في تحريمه, فليس بدونه.
وإذا كان التوسع في علم النسب والنحو واللغة والحساب مكروها عند بعض علماء السلف, وكذلك التوسع في علم النجوم, قد ورد النهي عنه, كما تقدم في حديث أبي هريرة المرفوع, وحديث عمر الموقوف, فماذا يقال فيمن يرغب الناس فيما نهى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عنه من التخرصات واتباع الظنون الكاذبة, والتعاطي لعلم الغيب.

الصفحة 307