كتاب ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق

وأما قوله: وليكون دينا أبديا للإنسانية جمعاء.
فجوابه من وجوه: أحدها: أن يقال: ما زعمه ههنا فهو تخرص مردود بما تقدم عن حذيفة وابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهم أن القرآن يسرى عليه في آخر الزمان, ويرفع إلى السماء, فلا يبقى في الأرض منه آية. وإذا رفع القرآن إلى السماء, فأي دين يبقى في الأرض بعد ذلك.
الوجه الثاني: ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله» رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي من حديث أنس رضي الله عنه. وفي رواية لأحمد «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله» ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه.
وفي هذا الحديث الصحيح دليل على أن الإنسانية جمعاء تعود إلى الكفر في آخر الزمان حتى أنهم لا يذكرون اسم الله بالكلية. وفي هذا أبلغ رد لما زعمه الصواف من كون القرآن يكون دينا أبديا للإنسانية جمعاء.
الوجه الثالث: أن يقال: ليست الإنسانية باقية على الأبد حتى يكون لها دين أبدي يبقى على الدوام بل لا بد لها ولجميع من على وجه الأرض من الفناء؛ قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} وقال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}.
ومن زعم أن الإنسانية تبقى على الأبد, فليس عنده إيمان بقيام الساعة وإماتة الخلائق كلهم وبعثهم بعد ذلك ليوم الفصل والقضاء. وليس للإنسانية

الصفحة 311