كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 22)

أما بعد، فيا عبادَ الله، إنَّا زرعُ الموت، وبضاعةُ الفوت، لا يطول بقاؤنا (¬١) وإن طالت آمالنا. ولو طال بقاؤنا لم نفُزْ فيه بطائل، ولا أعددنا غيرَ الباطل. كلَّ يوم تعبَثُ جوارحُنا وقلوبُنا في محارم الله، فقلَّما تمرُّ علينا ساعة إلا ونحن في معصية. ومع ذلك ونحن آمنون من العقاب، متهاونون بالعذاب، زاهدون في الثواب مسوِّفون بالمتاب، كأنَّنا (¬٢) شاكُّون في المآب، أو مكذِّبون بيوم الحساب.
فالتوبةَ، التوبةَ، قبلَ زلَّة القدم، والندم حيث ينقطع نفعُ الندم. قبل مفاجأةِ الموت، وخشوعِ الصوت، وحلولِ الفوت. قبل أن تنقطعَ الأعمال، وتُطوى الصحائف، ويُفتَح بابُ الجزاء؛ فينعَّم المهتدون، ويعذَّب العصاةُ بما كانوا يفعلون.
ألا، وإنَّ الله تعالى قد أمركم بأمر عظيم بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكةِ قُدسِه، وثلَّثَ بكم تشريفًا لكم وتكريمًا، وتعزيزًا لقدر نبيِّه وتعظيمًا؛ فقال ــ ولم يزل متكلمًا عليمًا ــ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦].
اللهم فصلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد الذي حففتَه بأعلى مشاهد العزِّ والجلالة، وهديتَنا به من الضلالة، وعلَّمتَنا به من الجهالة؛ وعلى آله الطاهرين، وصحابته الهُداة الكاملين.
---------------
(¬١) رسمها هنا وفيما بعد: «بقانا».
(¬٢) في (ل ٤٦/ب): «فما كأننا إلَّا».

الصفحة 204