كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 22)
عاقلًا، طاهرَ اللِّسان، غزير الفضل [والإحسان] (¬1)، أقام فِي الثغور مُدَّة سنين يجاهد العدو، ويحفظ البلاد على المُسْلمين.
محمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب، الملك الكامل (¬2)
ولد سنة ثلاثٍ وسبعين وخمس مئة (¬3)، وكان أكبر أولاد العادل بعد ممدود، وكان العادل قد عهد إليه لما رأى من ثباته وعقله وسَدَاده [فِي إصداره وإيراده] (1)، وقد ذكرنا سيرته فِي السِّنين، وكان شجاعًا، ذكيًّا [مهابًا] (1)، فطنًا، يحبُّ العلماء والأماثل، ويلقي عليهم المُشْكلات [من المسائل] (1)، وتكلَّم على "صحيح مسلم" بكلامٍ مليح، ولفظ فصيح، وثبت بين يدي العدو لما نَزَلَ الفرنج على دمياط مدة، ما أبقى قلمًا فِي خزائنه وذخائره.
وأما عدله فإليه المنتهى، [وفَضْله هو المشتهى] (1)، وبَلَغَ من عَدْله أَنَّ بعض الركبدارية استغاث إليه يومًا، وقال: استخدمني أُستاذي ستة أشهر بغير جامكية، فأحضر أُستاذه، وأنزله من فرسه، وخلَّعه ثيابه، وألبسها الركبدار، وأركبه الفرس، وألبس الجندي ثياب الركبدار، وقال له: احمل مداسه، واخدمه ستة أشهر كما خدمك.
وكان إذا سافر لا يتجاسر أحدٌ أن يأخذ من فلاحٍ علاقة شعير، ولا دجاجة [وإن دعت إِلَى ذلك الحاجة، ولقد بلغني أنَّه] (1) شنق جماعةً من الأجناد على آمِد؛ لكونهم أخذوا أكيال شعير لشخصٍ.
وكانت الطُّرق فِي أيامه آمنة بحيث يسير الراكب وحده، ولا يحتاج إِلَى حمل عُدَّة.
¬__________
(¬1) ما بين حاصرتين من (ش).
(¬2) له ترجمة فِي "التكملة": 3/ 485، و "المذيل على الروضتين": 2/ 43 - 44، وفيه تتمة مصادر ترجمته.
قال إبراهيم عفا الله عنه: وكان الأَوْلى أن يترجم للأشرف قبل الكامل، لأن وفاة الأشرف كانت فِي محرم، ووفاة الكامل فِي رجب من ذلك العام.
(¬3) ذكر المنذري فِي "التكملة": 3/ 485، والذهبي فِي "سير أعلام النبلاء": 22/ 127، و"تاريخ الإِسلام": (وفيات سنة 635 هـ) أن ولادته سنة ست وسبعين وخمس مئة. وعقب على ذلك ابن تغري بردي فِي "النجوم الزاهرة": 6/ 228، فقال: وعندي أن أَبا المظفر (يعني سبط ابن الجوزي) أثبت لصحبته بأخيه المعظم عيسى، وكونه أَيضًا عصري الملك الكامل هذا، والله أعلم.