كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 22)

الخزانة [التي لا تخلو من الخيانة] (¬1). وكان عماد الدين بن موسك حاضرًا، فقال له: قُمْ، وأحضرِ الوديعة التي لي عندك. فقام عماد الدين، ومضى، وعاد، وعلى رأسه مئزر صوف أبيض، [تلوح منه أنوار الرِّضى] (1)، ففتحه، وإذا فيه خِرق الفقراء، وطاقيات الأولياء مثل الشيخ مسعود الرُّهاوي، والشيخ يونس البيطار، وعلي الفارسيّ، وجماعة الشيوخ، وكان فِي الثياب إزارٌ عتيق ما يساوي خمسة قراطيس، فقال: هذا يكون على جسدي، [أتقي به حر الوطيس] (1)، فإنَّ صاحبه كان من الأبدال، [وسادات الرجال] (1)، وكان حبشيًّا أقام بجبل الرُّها يزرع قطعةَ زعفران، يتقوَّت بها [برهة من الزمان] (1)، وكنتُ أصعد إِلَى زيارته، وأعرض عليه المال، فيمتنع، فقلتُ له يومًا: أنا أعرض عليك الدُّنيا، ولا تقبل، فأريدُ من أثرك ما أجعله فِي كفني [فقال: أفعل.] (1) فأعطاني هذا الإزار، [وقال] (1): قد أحرمت فيه عشرين حجة.
وكان آخر كلام الأشرف رحمه الله: لا إله إلَّا الله. ثم مات يوم الخميس رابع المحرم، ودفن بالقلعة، ثم نقل إِلَى تُرْبته بالكلاسة فِي جمادى الأولى (¬2).
ولما كان بعد موته بأيام قَدِمَ رجلٌ من أهل حَرَّان، كان له عليه فِي كلِّ سنة شقاق قطن ولأولاده، ومئتا دِرْهم، فجاء إِلَى قبره، وجعل يبكي، ويقول: كان لي عليه رسم. فقال له بعضُ النَّاس: هو ذا يسمعك، [فإن أراد يعطيك فهو يعطيك] (1). فانكسر قلبه، وخرج إِلَى السُّوق، فالتقاه تاجرٌ من أهل بلده، وقال له: كم أنتظرك، خبأتُ لك من الزكاة مئتا درهم، وشقاقًا لأولادك. وأعطاه إياها، وقال: هذه رسم فِي كلِّ سنة لك عليّ.
قال المصنِّف رحمه الله: وحكى لي الشيخ الفقيه أبو محمَّد محمَّد اليونيني ببَعْلَبَك فِي سنة خمس وأربعين [وست مئة] (1) عند عودي من بغداد، قال: حكى لي فقيرٌ صالحٌ من جبل لبنان، قال: لما ماتَ الأشرف رأيتُه فِي المنام، وعليه ثياب خُضْر، وهو يطير بين السماء والأرض مع جماعةٍ من الأولياء، فقلت له: يَا موسى أيش تعمل مع هؤلاء، وأنتَ كنتَ تفعل فِي الدُّنيا وتصنع؟ فالتفتَ إِلَى وتبسَّم، وقال: الجسدُ الذي
¬__________
(¬1) ما بين حاصرتين من (ش).
(¬2) قال إبراهيم عفا الله عنه: وما زال قبره ظاهرًا فيها، بالقرب من ضريح السلطان صلاح الدين يوسف بن أَيُّوب، وليس على القبر ما يدل عليه.

الصفحة 355