كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 22)

أنك لم تُطلّقهنّ؟ قال: «نعم، إن شئت». فلم أزل أُحدّثه حتى تحسّر الغضب عن وجهه، وحتى كَشَر (¬١) وضحك، وكان من أحسن الناس ثَغْرًا، فنَزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونَزَلتُ أتشبّثُ بالجذع، ونَزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده، فقلتُ: يا رسول الله، إنما كنتَ في الغرفة تسعًا وعشرين. قال: «إنّ الشهر يكون تسعًا وعشرين». فقمتُ على باب المسجد، فناديتُ بأعلى صوتي: لم يُطلِّق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه. قال: ونزلت هذه الآية: {وإذا جاءَهُمْ أمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أوِ الخَوْفِ أذاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأَمْرِ مِنهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ} [النساء: ٨٣]. فكنتُ أنا استَنبطتُ ذلك الأمر، وأنزل الله آية التخيير (¬٢). (١٤/ ٥٨٤)

تفسير الآية:
٧٧٦٠٦ - عن عبد الله بن عباس، قال: لم أزل حريصًا أنْ أسأل عمرَ عن المرأتين مِن أزواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللّتَيْن قال الله تعالى: {إنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} حتى حجّ عمرُ وحججتُ معه، فلما كان ببعض الطريق عَدل عمر وعدلتُ معه بالإداوةِ (¬٣)، فتبرّز ثم أتى، فصببتُ على يديه، فتوضأ، فقلتُ: يا أمير المؤمنين، مَن المرأتان مِن أزواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللّتان قال الله: {إنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما}؟ فقال: واعجبًا لك، يا ابن عباس! هي عائشة وحفصة. ثم أنشأ يُحدّثني الحديث، فقال: كُنّا -معشر قريش- نَغلب النساء، فلما قَدِمنا المدينة وجدنا قومًا تَغلبهم نساؤهم، فطَفِق نساؤنا يَتعلّمنَ من نسائهم، فغضبتُ على امرأتي يومًا فإذا هي تُراجعني، فأنكرتُ أن تُراجعني، فقالتْ: ما تنكر مِن ذلك؟! فواللهِ، إنّ أزواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيُراجعنَه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل. قلتُ: قد خابتْ مَن فعلتْ ذلك منهن وخسِرَتْ. قال: وكان منزلي بالعَوالي (¬٤)، وكان لي جارٌ من الأنصار كُنّا نتناوب النُّزول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فيَنزل يومًا، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وأَنزل يومًا فآتيه بمثل ذلك، قال: وكُنّا نُحَدِّث أنّ غَسّان تُنعِلُ الخيل (¬٥) لِتَغزُوَنا، فجاءني يومًا عشاء، فضَرب عليّ
---------------
(¬١) الكشر: ظهور الأسنان للضحك. النهاية (كشر).
(¬٢) أخرجه مسلم ٢/ ١١٠٥ - ١١٠٧ (١٤٧٩). وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن مردويه.
(¬٣) الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء. النهاية (أدو).
(¬٤) العوالي: بينها وبين المدينة أربعة أميال. معجم البلدان ٣/ ٧٤٣.
(¬٥) تنعل الخيل: تجعل لها حديدًا في حافرها يقيها الحجارة. لسان العرب (نعل). وهي كناية عن الاستعداد لقتال أهل المدينة.

الصفحة 26