كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 22)

الباب، فخرجتُ إليه، فقال: حدث أمرٌ عظيم. فقلتُ: أجاءتْ غَسّان؟ قال: أعظم من ذلك، طلَّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه. قلتُ في نفسي: قد خابتْ حفصة وخسِرتْ، قد كنتُ أظن هذا كائنًا. فلمّا صَلّينا الصبح شددتُ عليّ ثيابي، ثم انطلقتُ حتى دخَلتُ على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلتُ: أطلَّقكنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: لا أدري، هو ذا معتزلٌ في المَشْرُبَة. فانطلَقتُ، فأتيتُ غلامًا أسود، فقلتُ: استأذِن لعمر. فدخل ثم خرج إليّ، فقال: قد ذكرتُك له، فلم يقل شيئًا. فانطلَقتُ إلى المسجد، فإذا حول المنبر نفرٌ يَبكون، فجَلستُ إليهم، ثم غَلبني ما أجد، فأتيتُ الغلام، فقلتُ: استأذِن لعمر. فدخل، ثم خرج إلَيّ، فقال: قد ذكرتُك له، فلم يقل شيئًا. فوليتُ مُنطلقًا، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل، فقد أذِن لك. فدخلتُ فإذا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَّكئ على حصير قد رأيتُ أثره في جَنبه، فقلتُ: يا رسول الله، أطلَّقتَ نساءك؟ قال: «لا». قلتُ: الله أكبر، لو رأيتَنا -يا رسول الله- وكُنّا -معشر قريش- نَغلب النساء، فلما قَدِمنا المدينة وجدنا قومًا تَغلبهم نساؤهم، فطَفِق نساؤنا يَتعلّمنَ من نسائهم، فغضبتُ يومًا على امرأتي، فإذا هي تُراجعني، فأنكرتُ ذلك، فقالتْ: ما تنكر؟! فواللهِ، إنّ أزواج النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ليُراجعنَه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل. فقلتُ لحفصة: أتُراجعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: نعم، وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل. فقلتُ: قد خابتْ مَن فعل ذلك منكنّ وخَسِرتْ، أتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هي قد هَلكتْ؟! فتبسّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلتُ لحفصة: لا تُراجعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تسأليه شيئًا، وسَليني ما بدا لكِ، ولا يَغُرّنَّك أن كانت صاحبتكِ أوسمَ منكِ، وأحبَّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فتبسّم أخرى، فقلتُ: يا رسول الله، أستَأنِسُ (¬١). قال: «نعم». فرفعتُ رأسي، فما رأيتُ في البيت إلا أُهُبةً (¬٢) ثلاثة، فقلتُ: يا رسول الله، ادعُ الله أن يُوسِّع على أُمّتك؛ فقد وسّع على فارس والرُّوم، وهم لا يعبدونه. فاستوى جالسًا، وقال: «أوَفي شكٍّ أنتَ، يا ابن الخطاب؟! أولئك قوم قد عُجِّلتْ لهم طيّباتهم في الحياة الدنيا». وكان قد أقسم أن لا يَدخل على نسائه شهرًا، فعاتبه الله في ذلك، وجعل له كفّارة
---------------
(¬١) أستأنس بحذف همزة الاستفهام، أي: انبسط في الحديث. تحفة الأحوذي ٤/ ٣٠٤، وفتح الباري ٩/ ٢٨٧ - ٢٨٨.
(¬٢) الأهب -بضم الهمزة والهاء وبفتحها- جمع إهاب، قال النووي: وهو الجلد قبل الدباغ على قول الأكثرين. وقيل: الجلد مطلقًا. اللسان (أهب)، ومسلم بشرح النووي ١٠/ ٨٧.

الصفحة 27