كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 22)

الْأُصُول إِذْ الثَّالِث مِنْهَا إِشَارَة إِلَى القولية، والأولان إِلَى الفعلية: الأول: مِنْهُمَا إِلَى التَّخْلِيَة عَن الرذائل، وَالثَّانِي: إِلَى التحلية بالفضائل يَعْنِي: من كَانَ لَهُ صفة التَّعْظِيم لأمر الله لَا بُد لَهُ أَن يَتَّصِف بالشفقة على خلق الله عز وَجل إِمَّا قولا بِالْخَيرِ أَو سكُوتًا عَن الشَّرّ، وَإِمَّا فعلا لما ينفع أَو تركا لما يضر.

6019 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدثنِي سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ عَنْ أبي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنايَ وأبْصَرَتْ عَيْنايَ حِينَ تَكَلَّمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآ خِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائِزَتَهُ قَالَ: وَمَا جائِزَتُهُ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، والضِّيافَةُ ثَلاثَة أيَّامٍ فَما كَانَ وراءَ ذالِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ. (
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله كلهم قد ذكرُوا عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن أبي الْوَلِيد عَن اللَّيْث. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَحْكَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بِهِ مُخْتَصرا وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن القعْنبِي عَن مَالك بِقصَّة الضَّيْف مُطَوَّلَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن قُتَيْبَة بِهِ وَلم يذكر قصَّة الْجَار وَعَن ابْن أبي عمر بِقصَّة الضِّيَافَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن قُتَيْبَة بِبَعْضِه، وَأخرجه عَن غَيره أَيْضا. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَدَب عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِتَمَامِهِ وَعَن ابْن عجلَان بِقصَّة الضِّيَافَة خَاصَّة.
قَوْله: (سَمِعت أذناي) فَائِدَة ذكره التوكيد. قَوْله: (جائزته) هِيَ الْعَطاء مُشْتَقَّة من الْجَوَاز لِأَنَّهُ حق جَوَازه عَلَيْهِم، وانتصابه بِأَنَّهُ مفعول ثَان للإكرام لِأَنَّهُ من معنى الْإِعْطَاء أَو هُوَ كالظرف أَو مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بجائزته. قَوْله: (يَوْم وَلَيْلَة) أَي: جائزته يَوْم وَلَيْلَة، وَجَوَاز وُقُوع الزَّمَان خَبرا عَن الجثة بِاعْتِبَار أَن لَهُ حكم الظّرْف وَأما فِيهِ مُضَاف مُقَدّر تَقْدِيره: أَي زمَان جائزته يَوْم وَلَيْلَة، وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَنه يتَكَلَّف لَهُ يَوْمًا وَلَيْلَة فيزيده فِي الْبر وَفِي الْيَوْمَيْنِ الآخرين يقدم لَهُ مَا يحضرهُ، فَإِذا مضى الثَّلَاث فقد مضى حَقه وَمَا زَاد عَلَيْهَا فَهُوَ صَدَقَة. قَوْله: (والضيافة ثَلَاثَة أَيَّام) ، يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ بعد الْيَوْم الأول، وَيحْتَمل أَن يدْخل فِيهِ الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَهُوَ أشبه، وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي قَوْله: (والضيافة ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا كَانَ وَرَاء ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة عَلَيْهِ) أَي: يقرى ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يعْطى مَا يجوز فِيهِ مَسَافَة يَوْم وَلَيْلَة، قَالَ: وَأَكْثَره قدر مَا يجوز بِهِ الْمُسَافِر من منهل إِلَى منهل، وَقَالَ سَحْنُون: الضِّيَافَة على أهل الْقرى دون الْحَضَر، وَقَالَ الشَّافِعِي: مُطلقًا، وَهِي من مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَعَن مُجَاهِد: الضِّيَافَة لَيْلَة وَاحِدَة فرض. قَوْله: (أَو ليصمت) بِضَم الْمِيم وَكسرهَا.

32 - (بابُ حَقِّ الجوارِ فِي قُرْبِ الأبْوابِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حق الْجوَار فِي قرب الْأَبْوَاب، أَرَادَ أَن كل بَاب كَانَ أقرب إِلَيْهِ كَانَ الْحق لَهُ.

6020 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهال حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو عِمْرانَ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله! إنَّ لِي جارَيْنِ فإِلَى أيِّهِما أهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أقْرَبِهِما مِنْكِ بَابا. (انْظُر الحَدِيث 2259 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ أَن الْأَقْرَب للْجَار هُوَ مُتَعَيّن للحق يَعْنِي حق الْجَوَاز وَأَبُو عمرَان عبد الْملك الجون بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وبالنون الْبَصْرِيّ، وَطَلْحَة هُوَ ابْن عبد الله بن عُثْمَان بن عبيد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِخْرَاج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث هُنَا فِيهِ نظر لِأَن طَلْحَة لَا يدرى من هُوَ؟ وَأَيْضًا فِيهِ اضْطِرَاب كثير، فَإِن ابْن الْمُبَارك قَالَ فِي حَدِيثه: سَمِعت رجلا من قُرَيْش يُقَال لَهُ أَبُو طَلْحَة، وَقَالَ معَاذ عَن شُعْبَة: سمع طَلْحَة بن عبيد الله بِحَدِيث عَائِشَة، وَقَالَ عِيسَى بن يُونُس: قَالَ شُعْبَة: أَظن طَلْحَة سمع عَائِشَة، وَلم يقل سَمعه مِنْهَا، وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: طَلْحَة رجل من قُرَيْش، وَقَالَ غنْدر: طَلْحَة بن عبيد الله رجل من تيم اللات، وَقَالَ وَكِيع: من تيم الربَاب، وَقَالَ ابْن طهْمَان عَن شُعْبَة: عبيد الله بن

الصفحة 111