كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 22)

لَا يَمْلِكُ، ومَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَنْ لَعَنَ مُؤْمِناً فَهْوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِناً بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَمن لعن مُؤمنا) وَمُحَمّد بن بشار بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة ابْن عُثْمَان الْبَصْرِيّ الملقب ببندار، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وثابت بن الضَّحَّاك الأشْهَلِي الْأنْصَارِيّ، وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة أَي: شَجَرَة الرضْوَان بِالْحُدَيْبِية.
وَبَعض الحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِنَازَة فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي قَاتل النَّفس.
وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على خَمْسَة أَحْكَام: الأول: فِي الْحلف على غير مِلَّة الْإِسْلَام، أَي: كَمَا حلف على طَريقَة الْكفَّار بِاللات والعزى مثلا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، أَي: كَائِن على غير مِلَّة الْإِسْلَام إِذْ الْيَمين بالصنم تَعْظِيم لَهُ وتعظيمه كفر، أَو كَمَا قَالَ: الرجل إِن فعل كَذَا فَهُوَ يَهُودِيّ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ التهديد. الثَّانِي: فِي النّذر بِأَن نذر بِمَا لَا يملك بِأَن قَالَ مثلا. إِن شفي الله مريضي فَللَّه عَليّ أَن أعتق عبد فلَان. الثَّالِث: فِي قتل نَفسه فَإِنَّهُ يعذب بِهِ، أَي: بِمثلِهِ، يَعْنِي: يجازي بِجِنْس عمله. الرَّابِع: فِي لعن الْمُؤمن فَهُوَ كقتله يَعْنِي فِي الْإِثْم لِأَن اللاعن يقطعهُ عَن مَنَافِع الْآخِرَة. الْخَامِس: فِي قذفه مُؤمنا بقوله: يَا كَافِر، أَو: أَنْت كَافِر، فَهُوَ كقتله فِي الْإِثْم وَشبهه، لِأَن الْقَاتِل يقطع الْمَقْتُول من مَنَافِع الدُّنْيَا، وَأَجْمعُوا أَنه لَا يقتل فِي رميه لَهُ بالْكفْر، قَالَه الطَّبَرِيّ.

6048 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ، قَالَ: حدّثني عَدِيُّ بنُ ثابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمانَ بنَ صُرَدٍ رَجُلاً مِنْ أصْحابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَغَضِبَ أحَدُهُما فاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لَا أعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَها لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ، فانْطَلَقَ إلَيْهِ الرَّجُلُ فأخْبَرَهُ بِقَوْلِ النبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّه مِنَ الشَّيْطانِ، فَقَالَ: أتُرَى بِي بأسٌ؟ أمَجْنُونٌ أَنا؟ إذْهَبْ. (انْظُر الحَدِيث 3282 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (استب رجلَانِ) وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث الْكُوفِي قاضيها، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وعدي بن ثَابت بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَسليمَان بن صرد بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة الْخُزَاعِيّ الْكُوفِي الصَّحَابِيّ، وَكَانَ اسْمه يسَار وضد الْيَمين فِي الْجَاهِلِيَّة فسماء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُلَيْمَان، سكن الْكُوفَة وَقتل بِموضع يُقَال لَهُ: عين الوردة، وَقيل: فِي الْحَرْب مَعَ مُقَدّمَة عبيد الله بن زِيَاد وَحمل رَأسه إِلَى مَرْوَان بن الحكم وَكَانَ عمره ثَلَاثًا وَسبعين سنة.
وَمضى الحَدِيث فِي: بَاب صفة إِبْلِيس وَجُنُوده، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش عَن عدي بن ثَابت ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (رجلا) مَنْصُوب على أَنه بدل من سُلَيْمَان. قَوْله: (حَتَّى انتفخ وَجهه) وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة فاحمر وَجهه، وَانْتَفَخَتْ أوداجه، وَفِي رِوَايَة مُسلم: تحمر عَيناهُ وتنفخ أوداجه. قَوْله: (الَّذِي يجد) ، أَي: الَّذِي يجده من الْغَضَب. قَوْله: (أَتَرَى؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار وَضم التَّاء أَي: أتظن. قَوْله: (بِي بَأْس؟) أَي: مرض شَدِيد، وبأس مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: بِي. قَوْله: (أمجنون أَنا؟) فَقَوله: أَنا، مُبْتَدأ: وَمَجْنُون، خَبره مقدما والهمزة فِيهِ للاستفهام الإنكاري. قَوْله: (إذهب) أَمر من الرجل للرجل الَّذِي أمره بالتعوذ يَعْنِي: انْطلق فِي شغلك. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا كَلَام من لم يفقه فِي دين الله وَلم يعرف أَن الْغَضَب نَزغ من نزغات الشَّيْطَان، وتوهم أَن الِاسْتِعَاذَة مُخْتَصَّة بالمجانين، وَلَعَلَّه كَانَ من جُفَاة الْعَرَب، أَو يُقَال: لَعَلَّه كَانَ كَافِرًا أَو منافقاً أَو شدَّة الْغَضَب أخرجته عَن حيّز الِاعْتِدَال بِحَيْثُ زجر الناصح لَهُ، وَقد أخرج أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا من حَدِيث عَطِيَّة السَّعْدِيّ: إِن الْغَضَب من الشَّيْطَان.

الصفحة 125