كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 22)

مطابقته للتَّرْجَمَة مَعَ أَنَّهَا فِي الْغَيْبَة. والْحَدِيث فِي النميمة من حَيْثُ إِن الْجَامِع بَينهمَا ذكر مَا يكرههُ الْمَقُول فِيهِ بِظهْر الْغَيْب، قَالَه ابْن التِّين، وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِن النميمة نوع من الْغَيْبَة، لِأَنَّهُ لَو سمع الْمَنْقُول عَنهُ أَنه نقل عَنهُ لغمه، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون أَشَارَ إِلَى مَا ورد فِي بعض طرقه بِلَفْظ الْغَيْبَة صَرِيحًا، وَهُوَ مَا أخرجه فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) من حَدِيث جَابر، قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتى على قبرين) فَذكر نَحْو حَدِيث الْبَاب. وَقَالَ فِيهِ: (أما أَحدهمَا فَكَانَ يغتاب النَّاس) ، وَأخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي بكرَة. قَالَ: (مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقبرين فَقَالَ: إنَّهُمَا يعذبان وَمَا يعذبان فِي كَبِير، وَبكى) . وَفِيه: (وَمَا يعذبان إلاَّ فِي الْغَيْبَة وَالْبَوْل) . وَلأَحْمَد وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث يعلى بن شَبابَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مر على قبر يعذب صَاحبه، فَقَالَ: (إِن هَذَا كَانَ يَأْكُل لُحُوم النَّاس)
الحَدِيث. وَقَالَ بَعضهم: الظَّاهِر اتِّحَاد الْقِصَّة وَيحْتَمل التَّعَدُّد. قلت: الظَّاهِر أَن الْأَمر بِالْعَكْسِ.
وَيحيى فِي الْإِسْنَاد إِمَّا ابْن مُوسَى الْحدانِي بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال وبالنون، وَإِمَّا ابْن جَعْفَر الْبَلْخِي، ووكيع هُوَ ابْن الْجراح الرُّؤَاسِي أَبُو سُفْيَان الْكُوفِي وَهُوَ من أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَأخذ عَنهُ كثيرا، والأعمس سُلَيْمَان.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب من الْكَبَائِر أَن لَا يسْتَتر من بَوْله، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (لَا يسْتَتر) أَي: لَا يخفى عَن أعين النَّاس عِنْد قَضَاء الْحَاجة. قَوْله: (بالنميمة) هِيَ نقل الْكَلَام على سَبِيل الْإِفْسَاد. قَوْله: (بعسيب) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة وَهُوَ سعف لم ينْبت عَلَيْهِ الخوص، وَقيل: هُوَ قضيب النّخل. قَوْله: (مَا لم ييبسا) وَجه التَّأْقِيت فِيهِ هُوَ مَحْمُول على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ الشَّفَاعَة لَهما، فأجيبت شَفَاعَته بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا إِلَى يبسهما. وَفِيه وُجُوه أُخْرَى تقدّمت هُنَاكَ.

47 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خَيْرُ دُورِ الأنْصارِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خير دور الْأَنْصَار، وَهَذَا من لفظ الحَدِيث، لَكِن مَا ذكره كَامِلا وَتَمَامه: بَنو النجار، فَذكر الْمُبْتَدَأ وَترك الْخَبَر. قيل: هَذِه التَّرْجَمَة لَا تلِيق هَهُنَا لِأَنَّهَا لَيست من الْغَيْبَة أصلا. وَأجِيب: بِأَن الْمفضل عَلَيْهِم يكْرهُونَ ذَلِك، فَبِهَذَا الْقدر يحصل الْوَجْه لإيراد هَذِه التَّرْجَمَة هَهُنَا، وَإِن كَانَ هَذَا الْمِقْدَار لَا يعد غيبَة، وَهَذَا نَحْو قَوْلك: أَبُو بكر أفضل من عمر وَلَيْسَ ذَلِك غيبَة لعمر رَضِي الله عَنهُ، وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا فعله يحيى ابْن معِين وَغَيره من أَئِمَّة الحَدِيث من تَخْرِيج الضُّعَفَاء وَتبين أَحْوَالهم خشيَة التباس أَمرهم على الْعَامَّة واتخاذهم أَئِمَّة وهم غير مستحقين لذَلِك.

48 - (بابُ مَا يَجُوزُ مِنِ اغْتِيابِ أهْلِ الفَسادِ والرِّيَبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز اغتياب أهل الْفساد والريب بِكَسْر الرَّاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة، وَهُوَ

الصفحة 128