كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 22)

جمع رِيبَة وَهِي الشَّك والتهمة.

6054 - حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبرنَا ابنُ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ ابنَ المُنْكَدِرِ سَمِعَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أخْبَرَتْهُ قالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ بِئسَ أخُو العشِيرَةِ أَو: ابنُ العَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ ألانَ لَهُ الكَلامَ، قُلْتُ: رسولَ الله {قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ ثُمَّ ألَنْتَ لَهُ الكَلامَ؟ أيْ عائِشَةُ} إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ أوْ: وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقاءَ فُحْشِهِ. (انْظُر الحَدِيث 6032 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بئس أَخُو الْعَشِيرَة أَو ابْن الْعَشِيرَة) فَإِنَّهُ ذكر الرجل الْمَذْكُور بِهَذَا الذَّم وَهُوَ غَائِب عَنهُ، فَدلَّ على إِبَاحَة اغتياب أهل الْفساد وَالشَّر، فَإِن قلت: لم يكن ذَلِك غيبَة وَإِنَّمَا هُوَ نصيحة ليحذر السَّامع. قلت: صُورَة الْغَيْبَة مَوْجُودَة فِيهِ، وَلكنه لَا يتَنَاوَل الْغَيْبَة المذمومة شرعا.
وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان، وَابْن الْمُنْكَدر مُحَمَّد، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث عَن قريبَة فِي: بَاب لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاحِشا وَلَا متفحشاً، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مَبْسُوطا.

49 - (بابٌ التَّمِيمَةُ مِنَ الكَبائِرِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ النميمة من الْكَبَائِر أَي: من الذُّنُوب الْكَبَائِر، وَهِي جمع كَبِيرَة، وكل ذَنْب تَحْتَهُ ذَنْب فَهُوَ كَبِيرَة.

50 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النمِيمَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من النميمة وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن نقل بعض القَوْل الْمَنْقُول من شخص على جِهَة الْفساد لَا يكره، كَمَا إِذا كَانَ الْمَنْقُول عَنهُ كَافِرًا، كَمَا يجوز التَّجَسُّس فِي بِلَاد الْكفَّار.
وقَوْلِهِ: {هَمَّاز مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (الْقَلَم: 11) ؛ {ووَيْلٌ لِكُلِّ هُمْزَةٍ لُمَزَةٍ} (الْهمزَة: 1) يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ يَعِيبُ.
أَي: وَقَول الله عز وَجل: {هماز} ... إِلَى آخِره. {هماز} فعال التَّشْدِيد من الْهَمْز وَفَسرهُ البُخَارِيّ واللمز بقوله: (يهمز ويلمز يعيب) فَجعل معنى الْإِثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَقَالَ اللَّيْث: الْهَمْز من يغتابك بِالْغَيْبِ، واللمز من يغتابك فِي وَجهك، وَحكى النّحاس عَن مُجَاهِد عَكسه. قَوْله: (مشاء) مُبَالغَة مَا شَيْء. قَوْله: (بنميم) من نم الحَدِيث ينمه وينمه بِضَم النُّون وَكسرهَا نماً، وَالرجل النمام والنم، وَفِي التَّفْسِير: المشاء بالنميم هُوَ الَّذِي ينْقل الْأَحَادِيث من بعض النَّاس إِلَى بعض فَيفْسد بَينهم، قَالَه الْجُمْهُور، وَقيل: الَّذِي يسْعَى بِالْكَذِبِ وَهُوَ

الصفحة 129