كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 22)

فِي التَّحْرِيم، وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي ورد عَن مَجْمُوع اللّبْس وَالْجُلُوس لَا عَن الْجُلُوس بمفرده، وَأَيْضًا فَإِن الْجُلُوس لَيْسَ بِلبْس فَإِن قَالُوا: فِي حَدِيث أنس: فَقُمْت إِلَى حَصِير لناقد أسود من طول مَا لبس، قُلْنَا: مَعْنَاهُ من طول مَا اسْتعْمل، لِأَن لبس كل شَيْء بِحَسبِهِ، والمرفقة بِكَسْر الْمِيم: الوسادة.

28 - (بابُ لُبْس القَسِّيِّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان لبس الثَّوْب القسي بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة وَتَشْديد الْيَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: القسي، مَنْسُوب إِلَى بلد يُقَال لَهُ: القس، قلت: القس كَانَت بَلْدَة على سَاحل الْبَحْر الْملح بِالْقربِ من دمياط كَانَ ينسج فِيهَا الثِّيَاب من الْحَرِير، وَالْيَوْم خرابة، وَقَالَ أَبُو عبيد: وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: القسي، بِكَسْر الْقَاف، وَأهل مصر يفتحونها، وَقَالَ ابْن سَيّده: القس والقس مَوضِع ينْسب إِلَيْهِ ثِيَاب تجلب من نَحْو مصر، وَذكر الْحسن بن مُحَمَّد المهلبي الْمصْرِيّ: أَن القس لِسَان خَارج من الْبَحْر عِنْده حصن يسكنهُ النَّاس، بَينه وَبَين الفرما عشرَة فراسخ من جِهَة الشَّام. قلت: الفرما كَذَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: إِنَّه القزي بالزاي مَوضِع السِّين من القز الَّذِي هُوَ غليظ الإبر سم ورديئة، وَفِي (التَّوْضِيح) : القس قَرْيَة من تنيس بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد النُّون الْمَكْسُورَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبسين مُهْملَة، بَلْدَة كَانَت فِي جَزِيرَة بساحل بَحر دمياط، وَقد خربَتْ، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) : القس قَرْيَة بالصعيد.
وَقَالَ عاصِمٌ: عنْ أبي بُرْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيّ: مَا الْقَسِّيَّةُ. قَالَ: ثِيابٌ أتَيْنا مِنَ الشَّأْمِ أوْ مِنْ مِصْرَ مُضَلَّعَةٌ فِيها حَرِيرٌ وفِيها أمْثالُ الأُتْرُنْجِ والمُيثَرَةُ، كانَتِ النِّساءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ مِثْلَ القَطائِف يُصَفِّرْنَها.

عَاصِم هُوَ ابْن كُلَيْب الْجرْمِي بِالْجِيم وَالرَّاء مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَأَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.
وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث وَصله مُسلم من طَرِيق عبد الله بن إِدْرِيس: سَمِعت عَاصِم بن كُلَيْب عَن أبي بردة وَهُوَ ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: (نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبس القسي وَعَن المياثر) ، قَالَ فَأَما القسي فثياب مضلعة ... الحَدِيث. قَوْله: (أتتنا من الشَّام أَو من مصر) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (من مصر وَالشَّام) . قَوْله: (مضلعة فِيهَا حَرِير) ، أَي: فِيهَا خطوط عريضة كالأضلاع، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وتضليع الثَّوْب جعل وشيه على هَيْئَة الأضلاع غَلِيظَة معوجة. قَوْله: (الأترج) ، بتَشْديد الْجِيم وَيُقَال لَهُ: الأترنج، أَيْضا بتَخْفِيف الْجِيم قبلهَا نون سَاكِنة. قَوْله: (والميثرة) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة من الوثارة وَهِي اللين ووزنها مفعلة، وَأَصلهَا موثرة قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، وَيجمع على: مياثر ومواثر. قَوْله: (كَانَت النِّسَاء تَصنعهُ لبعولتهن) أَي: لِأَزْوَاجِهِنَّ، والبعولة جمع بعل وَهُوَ الزَّوْج، تُوضَع على السُّرُوج يكون من الْحَرِير وَيكون من الصُّوف. قَوْله: (مثل القطائف) ، جمع قطيفة وَهِي الكساء المخمل، وَقيل: هِيَ الدثار. قَوْله: (يصفرنها) ، من التصغير ويروى: يصفونها، أَي: يجعلونها كالصفة من التصفية أَي: صفة السرج، قَالَ أَبُو عبيد: هِيَ كَانَت من مراكب الْأَعَاجِم من ديباج أَو حَرِير، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الميثرة مرفقة تتَّخذ لصفة السرج وَكَانُوا يحمرونها، وَفِي (الْمُحكم) : الميثرة الثَّوْب يُجَلل بهَا الثِّيَاب فتعلوها، وَقيل: هِيَ أغشية السُّرُوج تتَّخذ من الْحَرِير وَيكون من الصُّوف وَغَيره، وَقيل: هِيَ شَيْء كالفراش الصَّغِير يتَّخذ من الْحَرِير ويحشى بِقطن أَو صوف يَجْعَلهَا الرَّاكِب على الْبَعِير تَحْتَهُ فَوق الرحل.
وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ فِي حَدِيثِهِ القَسِّيَّةُ ثِيابٌ مُضَلَّعَة يُجاءُ بِها مِنْ مِصْرَ فِيها الحَرِيرُ، والْميثرَةُ جُلُودُ السِّباعِ. قَالَ أبُو عَبْدِ الله: عاصِمُ أكْثَرُ وأصَحُّ فِي المِيثَرَةِ.

اخْتلف الشُّرَّاح فِي جرير هَذَا، وَفِي شَيْخه فَقَالَ الْكرْمَانِي: جرير هَذَا بِالْجِيم هُوَ ابْن حَازِم الْمَذْكُور آنِفا، يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الَّذِي مضى قبل هَذَا الْبَاب، وَهُوَ قَوْله: حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا أبي، وَأَبوهُ هُوَ جرير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ جرير بن عبد الحميد، وَأما شَيْخه فضبطه الْحَافِظ الدمياطي رَحمَه الله بِخَط يَده على حَاشِيَة نسخته بِضَم الْبَاء

الصفحة 15