كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 22)

قَوْله: (ل عبد الله) هُوَ ابْن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة أَخُو أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ، وَأمه عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم، أسلم وَحسن إِسْلَامه وَشهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتح مَكَّة مُسلما وَشهد حنيناً والطائف وَرمي يَوْم الطَّائِف بِسَهْم فَقتل وَمَات يومئذٍ، وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ المخنث الَّذِي قَالَ فِي بَيت أم سَلمَة: يَا عبد الله إِن فتح الله عَلَيْكُم الطَّائِف غَدا فَإِنِّي أدلك على بنت غيلَان ... الحَدِيث. قَوْله: (بنت غيلَان) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وإسمها بادية ضد الْحَاضِرَة وَقيل: بادنة من الْبدن. قَوْله: (تقبل بِأَرْبَع) أَي: بِأَرْبَع عُكَن جمع عكنة وَهِي الطي الَّذِي بالبطن من السّمن، أَي: ل هَا أَربع عُكَن تقبل بِهن من كل نَاحيَة اثْنَتَانِ وَلكُل وَاحِدَة طرفان، فَإِذا أَدْبَرت صَارَت الْأَطْرَاف ثَمَانِيَة، وَإِنَّمَا قَالَ: ثَمَان، مَعَ أَن مميزه هُوَ الْأَطْرَاف مُذَكّر لِأَنَّهُ إِذا لم يكن الْمُمَيز مَذْكُورا جَازَ فِي الْعدَد التَّذْكِير والتأنيث. قَوْله: (لَا يدخلن هَؤُلَاءِ) قَالَ بَعضهم بِضَم أَوله وَتَشْديد النُّون. قلت: ل يس كَذَلِك، بل بِفَتْح الْيَاء وَالنُّون فِيهِ مُخَفّفَة، ويروى مثقلة: وَهَؤُلَاء، فَاعله. قَوْله: (عليكن) خطاب للنِّسَاء، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: عَلَيْكُم، بِصِيغَة جمع الْمُذكر فَإِن صحت فوجهه أَن يكون هُنَاكَ صبيان وصفان فَجمع جمع الْمُذكر بطرِيق التغليب.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: تُقْبِلُ بأرْبَعِ وتُدْبِرُ، يَعْنِي: أرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِها فَهْيَ تُقْبَلُ بِهِنَّ. وقَوْلَهُ: وتُدْبِرُ بِثَمان، يَعْنِي أطْرَافَ هاذِهِ العُكَنِ الأرْبَعِ لأنَّها مُحِيطَةٌ بالجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحَقَتْ، وإنَّما قَالَ: بِثَمان، وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ وَواحِدُ الأطْرَفٌ طَرَفٌ وَهْوَ ذَكَرٌ ل أنَّهُ لَمْ يَقُلْ: ثَمانِيَةَ أطْرافٍ.

(بَاب قصّ الشَّارِب)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سنية قصّ الشَّارِب، بل وُجُوبه، وَهَذَا الْبَاب وَمَا بعده ... إِلَى آخر كتاب اللبَاس أحد وَأَرْبَعُونَ بَابا ذكر مَا فِي كتاب اللبَاس. قيل: لَا تعلق لَهَا بِكِتَاب اللبَاس، وتعسف بَعضهم بِأَن لَهَا تعلقاً باللباس من جِهَة الِاشْتِرَاك فِي الزِّينَة. قلت: يُطلق اللبَاس لَيْسَ للزِّينَة على مَا لَا يخفى، وَمَعَ هَذَا فِيهِ أَبْوَاب بمعزل عَن الزِّينَة وَهِي: بَاب المتشبهين بِالنسَاء وَالْبَاب الَّذِي بعده، وَبَاب خَاتم الْحَدِيد، وَبَاب الْجُلُوس على الْحَصِير، وَبَاب مَا يدعى لمن لبس ثوبا جَدِيدا، وَبَاب اشْتِمَال الصماء، وَبَاب من لبس جُبَّة ضيقَة الكمين، وَالْبَاب الَّذِي بعده، وَلَكِن ذكرنَا لكل بَاب مِنْهَا مُنَاسبَة لحديثه، وَالْأَحْسَن الْأَوْجه أَن نذْكر مُنَاسبَة لكل من: بَاب قصّ الشَّارِب والأبواب الَّتِي بعده إِن ظفرنا بهَا، وَلَو كَانَت بِشَيْء يسير، وَالْبَاب الَّذِي لَا يُوجد لَهُ مُنَاسبَة مَا نسكت عَنهُ أما مُنَاسبَة ذكر: بَاب قصّ الشَّارِب، فِي كتاب اللبَاس فَيمكن أَن يُقَال: إِن فِي قصّ الشَّارِب زِينَة فَنَاسَبَ الْأَبْوَاب الَّتِي فِيهَا وجود الزِّينَة.
وكانَ ابنُ عُمَرَ يُحْفِي شارِبَهُ حَتَّى ينظَرَ إِلَى بَياضِ الجِلْدِ، ويأخُذُ هاذَيْنِ يَعْنِي: بَيْنَ الشَّارِبِ واللِّحْيَةِ.

كَذَا وَقع بِلَفْظ ابْن عمر، وَيَعْنِي: عبد الله بن عمر، هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي وَعَلَيْهَا الْعُمْدَة، وَوَقع فِي رِوَايَة البَاقِينَ: وَكَانَ عمر، يَعْنِي: ابْن الْخطاب، وخطؤوا هَذِه الرِّوَايَة. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّحَاوِيّ من خمس طرق. الأول: عَن أبي دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس قَالَ: حَدثنَا عَاصِم بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يحفي شَاربه حَتَّى يرى بَيَاض الْجلد، وَفِي لفظ: يحفى شَاربه، كَأَنَّهُ ينتفه، وَفِي لفظ من حَدِيث عقبَة بن مُسلم قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا أَشد إحفاءً لشاربه من ابْن عمر، كَانَ يحفيه حَتَّى إِن الْجلد ليرى قَوْله: (يحفي) من الإحفاء بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء، يُقَال: أحفى شعره إِذا استأصله حَتَّى يصير كالحلق وَلكَون إحفاء الشَّارِب أفضل من قصه عبر الطَّحَاوِيّ بقوله: بَاب حلق الشَّارِب. قَوْله: (وَيَأْخُذ هذَيْن) ويروى: وَيَأْخُذ من هذَيْن، يَعْنِي: بَين الشَّارِب واللحية، وَقَوله: (بَين) كَذَا هُوَ لجَمِيع الروَاة إلاَّ أَن عياضاً

الصفحة 43