كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 22)

الضَّاد الْمُعْجَمَة وَهِي صفة لقدح. قَوْله: (فِيهِ) بتذكير الضَّمِير رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فِيهَا، بالتأنيث، وَوَجهه أَن الْقدح إِذا كَانَ فِيهِ مَائِع يُسمى كاساً، والكأس مؤنث، هَكَذَا قيل وَفِيه تَأمل. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْقدح من الْفضة حرَام على الرِّجَال وَالنِّسَاء؟ قلت: أَي مموه بِالْفِضَّةِ. وَقَالَ بَعضهم: هَذَا يَنْبَنِي على أَن أم سَلمَة كَانَت لَا تجيز اسْتِعْمَال آنِية الْفضة فِي غير الْأكل وَالشرب، وَمن أَيْن لَهُ ذَلِك؟ وَقد أجَاز جمَاعَة من الْعلمَاء اسْتِعْمَال الْإِنَاء الصَّغِير من الْفضة فِي غير الْأكل. انْتهى. قلت: قُوَّة دين أم سَلمَة وَشدَّة تورعها يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تجيز اسْتِعْمَال الْآنِية من الْفضة مُطلقًا، فَكيف يَقُول: وَمن أَيْن لَهُ ذَلِك؟ أَنَّهَا تجيز اسْتِعْمَال الْإِنَاء من الْفضة؟ وَله أَن يَقُول لَهُ: وَمن أَيْن لَك أَنَّهَا لَا تجيز اسْتِعْمَال الْإِنَاء من الْفضة الْخَالِصَة فِي غير الْأكل؟ وَأما المموه فَحكم الْفضة فِيهِ حكم الْعَدَم إِلَّا إِذا كَانَ يخلص شَيْء من ذَلِك بعد الإذابة. وَقَوله: وَقد أجَاز جمَاعَة ... إِلَى آخِره، لَا يسْتَلْزم تَجْوِيز أم سَلمَة مَا أجَازه هَؤُلَاءِ، وَمن هم هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة المبهمة حَتَّى يكون سنداً لدعواه؟ وَقَالَت الشُّرَّاح: اخْتلف فِي ضبط: فضَّة، هَل هُوَ بفاء مَكْسُورَة وضاد مُعْجمَة أَو بقاف مَضْمُومَة وصاد مُهْملَة؟ وَقَالَ بَعضهم: فَإِن كَانَ بِالْقَافِ والمهملة فَهُوَ من صفة الشّعْر على مَا فِي التَّرْكِيب من قلق، وَلِهَذَا قَالَ الْكرْمَانِي: عَلَيْك بتوجيهه، وَيظْهر أَن: من، سبية أَي: أَرْسلنِي بقدح من مَاء بِسَبَب قصَّة فِيهَا شعر، انْتهى. قلت: أما الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ اعْترف بعجزه على حل هَذَا، وَأما هَذَا الْقَائِل فَإِنَّهُ اعْترف أَن فِي هَذَا التَّرْكِيب قلق ثمَّ فسره بِمَا هُوَ أقلق من ذَاك وَأبْعد من المُرَاد مثل بعد الثرى من الثريا، لِأَن قَوْله: من سبية، غير صَحِيح بل هِيَ بَيَانِيَّة تبين جنس الْقدح الَّذِي أرْسلهُ أهل عُثْمَان بن عبد الله إِلَى أم سَلمَة وَفِيه شعر من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَيَان ذَلِك على التَّحْرِير أَن أم سَلمَة كَانَ عِنْدهَا شَعرَات من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حمر فِي شَيْء مثل الجلجل، وَكَانَ النَّاس عِنْد مرضهم يتبركون بهَا ويستشفون من بركتها وَيَأْخُذُونَ من شعره ويجعلونه فِي قدح من المَاء فيشربون المَاء الَّذِي فِيهِ الشّعْر فَيحصل لَهُم الشِّفَاء، وَكَانَ أهل عُثْمَان أخذُوا مِنْهَا شَيْئا وجعلوه فِي قدح من فضَّة فَشَرِبُوا المَاء الَّذِي فِيهِ فَحصل لَهُم الشِّفَاء، ثمَّ أرْسلُوا عُثْمَان بذلك الْقدح إِلَى أم سَلمَة فَأَخَذته أم سَلمَة وَوَضَعته فِي الجلجل، فَاطلع عُثْمَان فِي الجلجل فَرَأى فِيهِ شَعرَات حمراً. قَوْله: (وَكَانَ إِذا أصَاب الْإِنْسَان)
إِلَى آخِره، كَلَام عُثْمَان بن عبد الله بن موهب أَي: كَانَ أَهلِي، كَذَا فسره الكراني، وَقَالَ بَعضهم: وَكَانَ، أَي: النَّاس إِذا أصَاب الْإِنْسَان أَي: مِنْهُم، وَالَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي أصوب يبين بِهِ أَن الْإِنْسَان إِذا أَصَابَهُ عين أَو شَيْء من الْأَمْرَاض بعث أَهله إِلَيْهَا أَي: إِلَى أم سَلمَة مخضبة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة، وَهِي الإجانة وَيجْعَل فِيهَا مَاء وَشَيْء من الشّعْر الْمُبَارك وَيجْلس فِيهَا فَيحصل لَهُ الشِّفَاء، ثمَّ يرد الشّعْر إِلَى الجلجل، وَهُوَ بِضَم الجيمين وَاحِد الجلاجل شَيْء يتَّخذ من الْفضة أَو الصفر أَو النّحاس، وَقيل: يرْوى الجحل بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة، وَفسّر بالسقاء الضخم، الظَّاهِر أَنه تَصْحِيف، وَأما الْقِصَّة بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْملَة الَّتِي أشكلت على الشُّرَّاح.

5897 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا سَلاَّمٌ عَنْ عُثْمانَ بنِ عبدِ الله بن مَوْهَبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فأخْرَجَتْ إلَيْنا شَعَراً مِنْ شَعَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخْضُوباً.

5898 - وَقَالَ لَنا أبُو نُعَيْم: حَدثنَا نُصَيْرُ ابنُ أبي الأشْعَثِ عَنِ ابنِ مَوْهَبٍ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أرَتْهُ شَعَرَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحْمَرَ. (انْظُر الحَدِيث 5896 وطرفه) .

هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث عُثْمَان بن عبد الله الْمَذْكُور أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي عَن سَلام بتَشْديد اللَّام ابْن أبي مُطِيع نَص عَلَيْهِ الْمزي وَابْن السكن، وَقَالَ الكلاباذي: سَلام بن مِسْكين النمري بالنُّون الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَالْأول هُوَ الأصوب، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه أَيْضا: سَلام بن أبي مُطِيع الْخُزَاعِيّ، يكنى أَبَا سعيد الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (مخضوباً) صفة الشّعْر، وَفِي رِوَايَة يُونُس: مخضوباً بِالْحِنَّاءِ والكتم.
قَوْله: (وَقَالَ لنا أَبُو نعيم) كَذَا هُوَ بالوصل عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَالَ أَبُو نعيم، وَهُوَ الْفضل بن دُكَيْن يروي عَن نصير بِضَم النُّون

الصفحة 49