كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 22)

واشمة من الوشم بالشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ غرز الإبرة فِي الْيَد وَنَحْوهَا ثمَّ ذَر النيلة عَلَيْهِ. وَقَالَ الْخطابِيّ: كَانَت الْمَرْأَة تغرز معصمها بإبرة أَو مسلة حَتَّى تدميه ثمَّ تحشوه بالكحل فيخضر، تفعل ذَلِك دارات ونقوشاً يُقَال مِنْهُ: وشمت الْمَرْأَة تشم فَهِيَ واشمة. قَوْله: (وَالْمُسْتَوْشِمَات) جمع مستوشمة. وَهِي الَّتِي تسْأَل وتطلب أَن يفعل ذَلِك بهَا، وَسَيَأْتِي بعد بَابَيْنِ من وَجه آخر عَن مَنْصُور بِلَفْظ: المستوشمات، وَهُوَ بِكَسْر الشين الَّتِي تفعل ذَلِك وَبِفَتْحِهَا الَّتِي تطلب ذَلِك، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق مَنْصُور: والموشومات، وَهِي من يفعل بهَا الوشم، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي (السّنَن) : الواشمة الَّتِي تجْعَل الخيلان فِي وَجههَا بكحل أَو مداد، والمستوشمة الْمَعْمُول بهَا. انْتهى وَذكر الْوَجْه للْغَالِب، وَأكْثر مَا يكون فِي الشّفة. قَوْله: (وَالْمُتَنَمِّصَات) جمع متنمصة من التنمص وَهُوَ نتف الشّعْر من الْوَجْه، وَمِنْه قيل للمنقاص المنماس، والنامصة هِيَ الَّتِي تنتف الشّعْر بالمنماص. قَوْله: (والمتنمصة) هِيَ الَّتِي يفعل ذَلِك بهَا، وَقد مر الْآن تَفْسِير المتفلجات. قَوْله: (لِلْحسنِ) اللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل احْتِرَازًا عَمَّا لَو كَانَ للمعالجة وَمثلهَا، وَهُوَ يتَعَلَّق بالأخير وَيحْتَمل أَن يكون متنازعاً فِيهِ بَين الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة كلهَا. قَوْله: (الْمُغيرَات خلق الله تَعَالَى) كالتعليل لوُجُوب اللَّعْن. قَوْله: (مَالِي) اسْتِفْهَام أَو نفي قَالَه الْكرْمَانِي، وَفِي قَوْله: أَو نفي، نظر. قَوْله: (هُوَ) أَي: (اللَّعْن فِي كتاب الله) ، أَي: مَوْجُود فِيهِ. وَهُوَ قَوْله عز وَجل: {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} (الْحَشْر: 7) فَمَعْنَاه إلعنوا من لَعنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأخرجه مُسلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم شَيْخي البُخَارِيّ فِيهِ أتم سياقاً مِنْهُ، فَقَالَ: فَبلغ ذَلِك امْرَأَة من بني أَسد يُقَال لَهَا: أم يَعْقُوب وَكَانَت تقْرَأ الْقُرْآن فَأَتَتْهُ يَعْنِي: أَتَت عبد الله بن مَسْعُود، فَقَالَت: مَا حَدِيث بَلغنِي عَنْك أَنَّك لعنت الْوَاشِمَات؟ ... إِلَى آخِره، فَقَالَ عبد الله: وَمَالِي لَا ألعن ... الحَدِيث. وَأم يَعْقُوب لم يدر إسمها، ومراجعتها عبد الله بن مَسْعُود تدل على أَن لَهَا إدراكاً، وَلَكِن لم يذكرهَا أحد فِي الصحابيات.

83 - (بابُ الوَصْلِ فِي الشعَرِ)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ وصل الشّعْر، يَعْنِي: الزِّيَادَة فِيهِ بِشعر آخر.

5932 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أنَّهُ سَمِعَ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفْيانَ عَام حجَّ وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ، وَهْوَ يَقُولُ وتَناوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كانَتْ بِيَد حَرَسِيّ: أيْنَ عُلَماؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَنْهاى عَنْ مِثْلِ هاذِهِ، ويَقُولُ: إنَّما هَلَكَتْ بَنُوا إسْرائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هاذِهِ نِساؤُهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (حِين اتخذ هَذِه نِسَاؤُهُم) أَرَادَ بِهِ وصل الشّعْر.
وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس.
والْحَدِيث مضى فِي آخر ذكر بني إِسْرَائِيل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: حَدثنَا آدم حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا عَمْرو بن مرّة سَمِعت سعيد بن الْمسيب قَالَ: قدم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الْمَدِينَة آخر قدمة قدمهَا فَخَطب فَأخْرج كبة من شعر، فَقَالَ: مَا كنت أرى أَن أحدا يفعل هَذَا غير الْيَهُود، وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهُ الزُّور، يَعْنِي: الْوِصَال بالشعر. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة غير ابْن مَاجَه، وَقد ذكر فِي كل وَاحِد مِنْهَا مَا لم يذكرهُ فِي الآخر، فَالْحَدِيث وَاحِد والمخرج مُخْتَلف.
قَوْله: (قصَّة من شعر) بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة وَهِي الكبة من الشّعْر كَمَا ذكر فِيهِ. قَوْله: (حرسي) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وبالسين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي الجندي، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الحرس هم الَّذين يَحْرُسُونَ السُّلْطَان وَالْوَاحد حرسي لِأَنَّهُ قد صَار إسم جنس فنسب إِلَيْهِ. قَوْله: (أَيْن عُلَمَاؤُكُمْ؟) السُّؤَال للإنكار عَلَيْهِم بإهمالهم إِنْكَار مثل هَذَا الْمُنكر وغفلتهم عَن تَغْيِيره، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ إِشَارَة إِلَى قلَّة الْعلمَاء يومئذٍ بِالْمَدِينَةِ. قلت: فِيهِ بعد يستبعده من لَهُ اطلَاع فِي التَّارِيخ، وَكَانَت الْمَدِينَة دَار الْعلم ومعدن الشَّرِيعَة وإليها يهرع النَّاس فِي أَمر دينهم. فَإِن قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك كَيفَ لم يُغير أَهلهَا هَذَا الْمُنكر؟ قلت: لَا يَخْلُو زمَان من ارْتِكَاب الْمعاصِي، وَقد كَانَ فِي وَقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر وسرق وزنى إلاَّ أَنه كَانَ شاذاً نَادرا فَلَا يحل لمُسلم أَن يَقُول: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُغير الْمُنكر، فَكَذَلِك أَمر الْقِصَّة بِالْمَدِينَةِ كَانَ شاذاً وَلَا يجوز أَن يُقَال إِن أَهلهَا جهلوا النَّهْي عَنْهَا، لِأَن حَدِيث لعن الْوَاصِلَة

الصفحة 63