كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 22)

حَدِيث مدنِي مَعْرُوف عِنْدهم مستفيض. قَوْله: (عَن مثل هَذِه) وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قصَّة الشّعْر الَّتِي تنَاولهَا من يَد حرسي، وبمثلها كَانَت النِّسَاء يوصلن شعورهن. قَوْله: (إِنَّمَا هَلَكت بَنو إِسْرَائِيل)
إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى أَن الْوَصْل كَانَ محرما على بني إِسْرَائِيل فعوقبوا بِاسْتِعْمَالِهِ وهلكوا بِسَبَبِهِ. قَوْله: (حِين اتخذ هَذِه) إِشَارَة أَيْضا إِلَى الْقِصَّة الْمَذْكُورَة، وَأَرَادَ بِهِ الْوَصْل. وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الحَدِيث حجَّة لِلْجُمْهُورِ فِي منع وصل الشّعْر بِشَيْء آخر سَوَاء كَانَ شعرًا أَو لَا وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ: زجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تصل الْمَرْأَة بشعرها شَيْئا، أخرجه مُسلم. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه غير مُسْتَقِيم لِأَن الحَدِيث الَّذِي أَشَارَ بِهِ إِلَيْهِ، الَّذِي هُوَ حَدِيث مُعَاوِيَة، لَا يدل على الْمَنْع مُطلقًا لِأَنَّهُ مُقَيّد بوصل الشّعْر بالشعر، فَكيف يَجعله حجَّة لِلْجُمْهُورِ؟ نعم حجَّة الْجُمْهُور حَدِيث جَابر، فَكيف يُؤَيّد الْمُطلق الْمُقَيد؟ وَنقل أَبُو عبيد عَن كثير من الْفُقَهَاء أَن الْمَنْع فِي ذَلِك وصل الشّعْر بالشعر، وَأما إِذا وصلت شعرهَا بِغَيْر الشّعْر من خرقَة وَغَيرهَا فَلَا يدْخل فِي النَّهْي، وَبِه قَالَ اللَّيْث، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوَصْل فِي الشّعْر، فَقَالَ بَعضهم: لَا بَأْس عَلَيْهَا فِي وَصلهَا شعرهَا بِمَا وصلت بِهِ من صوف وخرقة وَغير ذَلِك، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم، وَسَأَلَ ابْن أَشوع عَائِشَة: ألعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَاصِلَة؟ قَالَت: أيا سُبْحَانَ الله! وَمَا بَأْس بِالْمَرْأَةِ الزَّعْرَاء أَن تَأْخُذ شَيْئا من صوف فتصل بِهِ شعرهَا فتتزين بِهِ عِنْد زَوجهَا؟ إِنَّمَا لعن الْمَرْأَة الشَّابَّة تبغي فِي شبيبتها ... .
قَالُوا: هَذَا الحَدِيث بَاطِل وَرُوَاته لَا يعْرفُونَ، وَابْن أَشوع لم يدْرك عَائِشَة، والزعراء بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء ممدوداً وَهِي الَّتِي لَا شعر لَهَا، وَقَالَ قوم: لَا يجوز الْوَصْل مُطلقًا وَلَكِن لَا بَأْس أَن تضع الْمَرْأَة الشّعْر وَغَيره على رَأسهَا وضعا مَا لم تصله، رُوِيَ ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم.

5933 - وَقَالَ ابنُ شَيْبَةَ: حدَّثنا يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا فُلَيْحٌ عَنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عَنْ عَطاءِ بنِ يَسار عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَعَنَ الله الوَاصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ والوَاشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ.

ابْن أبي شيبَة هُوَ أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة واسْمه إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان العباسي الْكُوفِي أَخُو عُثْمَان الْكُوفِي، وَالقَاسِم روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وروى هُنَا عَنهُ مُعَلّقا، وَيُونُس بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْمُؤَدب الْبَغْدَادِيّ، وفليح بِضَم الْفَاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة ابْن سُلَيْمَان، وَكَانَ اسْمه عبد الْملك وفليح لقبه فغلب على اسْمه واشتهر بِهِ، وَزيد بن أسلم أَبُو أُسَامَة مولى عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين.
وَوصل هَذَا الْمُعَلق أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق ابْن أبي شيبَة.

5934 - حدَّثني آدَمُ حدّثنا شعْبَةُ عَنْ عَمْروِ بنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بن مُسْلِمِ بنِ يَنَّاق يُحَدِّثُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا: أنَّ جارِيَةً مِنَ الأنْصارِ تَزَوَّجتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعرُها، فأرادُوا أنْ يَصِلوها فَسَألُوا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَعَنَ الله الواصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ. (انْظُر الحَدِيث 5205) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن مُسلم بن يناق بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَشْديد النُّون وَآخره قَاف كَأَنَّهُ إسم أعجمي، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون إسم فعال من الأنبق وَهُوَ الشَّيْء الْحسن المعجب، فسهلت همزته يَاء. قلت: فِيهِ بعد عَظِيم وَهَذَا تصرف من لَيْسَ لَهُ يَد فِي علم الصّرْف، وَالْحسن الْمَذْكُور تَابِعِيّ صَغِير من أهل مَكَّة ثِقَة عِنْدهم وَكَانَ كثير الرِّوَايَة عَن طَاوُوس وَمَات قبله، وَصفِيَّة بنت شيبَة بن عُثْمَان الْقرشِي الحجي.
والْحَدِيث قد مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب لَا تطيع الْمَرْأَة

الصفحة 64