كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 22)

ثم قال
أخبرنا أبو بكر البرقاني إلى عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَ لأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»
فقال هذا سجع.
وهذا مثل قول الله عز وجل: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ
والثاني لا يكون متعديا بل مستوفيا. ثم هذا الحديث منسوخ
بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «الفطر مما دخل، والوضوء مما خرج»
والحاجم والمحجوم لم يدخل إلى بطنيهما شيء فيفطرهما. قال: وذكر له قول من قول عمر- أو قضاء من قضاء عمر- فقال: هذا قول شيطان. فهذا مثل ما ذكرت من خبر أشعب، الواحد أنسيه هو، والآخر أنسيه الخطيب.
وكذلك ما رواه عن ابن رزق إلى عبد الوارث، وقال أخبرنا محمد بن عبد الملك القرشي إلى إسحاق قال سمعت يَحْيَى بْنُ آدَمَ ذُكِرَ لأَبِي حَنِيفَةَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الوضوء نصف الإيمان» قال لتتوضأ مرتين حتى تستكمل الإِيمَانُ. قَالَ إِسْحَاقُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ الْوُضُوءُ نِصْفُ الإِيمَانِ- يَعْنِي نِصْفَ الصَّلاةِ- لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الصَّلاةَ إِيمَانًا فَقَالَ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ
أى صلاتكم.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا تُقْبَلُ صَلاةٌ إِلا بِطُهُورٍ»
فَالطُّهُورُ نِصْفُ الإِيمَانِ عَلَى هذا المعنى إذا كانت الصلاة لا تتم إلا به. ومثل هذا لم ينقل عن أحد من الأئمة المعروفين وكيف ينبغي أن يقال في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ
ويعنى بها الصلاة لأنه يقول في أثناء الآية أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ
وليس الهداية الصلاة وحدها وإنما الهداية إلى جميع الدين والصلاة فرع من فروعه. فقد
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يكمل إيمان المؤمن حتى يريد لأخيه المؤمن ما يريد لنفسه» .
أفكان يعنى بهذا الصلاة وحدها؟ وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
فيحمل هذا الخطاب على من هو في الصلاة لا من هو خارج عنها، ومثل هذا كثير.
وإنما [لا] يتبين المختلف فيه إلا على العلماء، أما مثل هذا فلا.
وقد نقل عن يحيى أيضا أنه ذكر لأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ مَنْ قَالَ لا أَدْرِي نِصْفَ الْعِلْمِ.
قَالَ: فَلْيَقُلْ مَرَّتَيْنِ لا أَدْرِي حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْعِلْمَ. قَالَ يَحْيَى وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ لا أَدْرِي نِصْفَ الْعِلْمِ، لأَنَّ الْعِلْمَ إِنَّمَا هُوَ أَدْرِي وَلا أَدْرِي، فَأَحَدُهُمَا نِصْفُ الآخَرِ. فانظر ما أحسن هذا الكلام أترى أيش يقال فيمن لا يعرف هذا الكلام؟ حتى أنه يجعل قول من قال حجة حتى يرد به على أبى حنيفة. والعلم إنما هو إثبات حكم أو نسخ حكم.

الصفحة 57