كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 22)

قال أخبرنا أبو القاسم إلى سفيان بن عيينة ثم أعاد حديث «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» ، وهذا تقدم الجواب عنه. وروى عن ابن دوما إلى الفضل بن موسى قال سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: مِنْ أَصْحَابِي مَنْ يَبُولُ قُلَّتَيْنِ، يَرُدُّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم. أترى أين الرد على النبي صلّى الله عليه وسلّم وإنما القلتان العامتان، والقلتان الجرتان، والقلتان الكوزان، والقلتان قلتا الجبلين فهذا كله ينطلق عليه اسم القلتين، وقول أبى حنيفة هذا إن ثبت أنه قاله أين الرد فيه على النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ وانما أردت أن أبين بهذا ومثله قول الخطيب. والمحفوظ غير ذلك فانظر إلى هذا المحفوظ ما أحسنه، إلا أنه يشبه ذاك الحافظ الذي جعله ثبتا فأخبر عن الخلال إلى وكيع يقول سأل ابن المبارك أبا حنيفة عن رفع اليدين في الركوع فقال أَبُو حنيفة: يريد أن يطير. أترى أى شيء في هذا من الفقه أو العلم حتى يجعله ثبتا وروى عن ابن رزق إلى سفيان يَقُولُ: كنت في جنازة أم خصيب بالكوفة فسأل رجل أبا حنيفة عن مسألة في الصرف فأفتاه، فقلت: يا أبا حنيفة إن أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اختلفوا في هذه، فغضب وقال للذي استفتاه: اذهب فاعمل بها فما كان فيها من إثم فهو على. افتراه لم لا عرف المسألة كما عرف أم خصيب؟
أفهذا ومثله الثبت.
وحدث عن أبى القاسم عبد الواحد إلى يوسف بن أسباط يقول: رد أَبُو حنيفة عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعمائة حديث- أو أكثر- قلت له يا أبا مُحَمَّد تعرفها؟ قال نعم قلت أَخْبَرَنِي بشيء منها فَقَالَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «للفرس سهمان وللراجل سهم»
فقال أبو حنيفة إنا لا نجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن. فهذا اللفظ لم يثبت عن أبى حنيفة وإنما مذهبه أن يكون للفارس سهمان وللراجل سهم. وأما لفظ النبي صلّى الله عليه وسلّم للفرس سهمان فمحمول على أمثاله مما ورد عنه صلّى الله عليه وسلّم وعن أصحابه. فأما ما روى عنه صلّى الله عليه وسلّم فإنه لما جاء الرجل إليه وقال إنى جعلت لأصحابى إبلا ليسلموا فلما أسلموا رجعت نفسي في الإبل؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم «لا تعطهم شيئا إن أقاموا وإلا سيرنا إليهم الخيل» فلم يرد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يسير إليهم الخيل وإنما أراد أن يسير الخيالة. وقد تقدم مثل هذا القول. وأما روى عن أصحابه رضى الله عنهم فإنه كان ينادى فيهم بحضرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وبعده إذا استفزعوا يا خيل الله اركبي، فما كانت الخيل تركب الناس عادة، وإنما تقديره يا خيالة الله اركبي، فكنى عن الخيالة بالبعض كما ورد العرب كثير من هذا، ومثله قوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً
وإنما كان يعصر العنب ليكون خمرا، فمن لا يفهم هذا أيش يكون جوابه؟ وقال قال أبو حنيفة: الأشعار مثله.

الصفحة 58