كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 22)

قد سبق الجواب عن هذه الروايات مع أن أبا حنيفة رضى الله عنه كان آدميّا ولم يكن جربا فإن أراد بذلك الاستعارة والتشبيه بأفعاله فكان ينبغي أن يبين الفعل الذي صدر منه فشبهه بالجرب حتى نجيب عنه، ومثل هذه الحكايات لا تكاد تصدر عن الأوزاعى لأنه كان فقيها فلو أراد أن يرد على أبى حنيفة لرد عليه مفصلا لا مجملا كما يرد الفقهاء وبين الخطأ الذي نسبه إليه والعرى التي حلها حتى يكون الجواب عنه على كل فصل، وأما من أجمل أمرا والناس على خلافة فلا اعتداد بقوله. وقد روى عن الأوزاعى في مدح أبى حنيفة ما يدل على رجوعه عن هذا القول في حقه- إن صح هذا عنه- وهو يأتى فيما بعد.
وروى عن ابن الفضل إلى ابن عون أنه قال نبئت أن فيكم صدادين يصدون عن سبيل الله. قال سليمان بن حرب: وأبو حنيفة وأصحابه ممن يصدون عن سبيل الله.
وهذا ليس كما ذكر ابن عون فإن أبا حنيفة رضى الله عنه أملى محمدا رحمه الله كتابي السير. وذكر فيهما من أمور الجهاد ووصايا الأمراء وما ينبغي أن يفعله أهل الثغور وقسمة الغنائم ما لم يسبقه إلى جمعه أحد، ولم يجمع مثله بعده أحد.
فهذا الذي نعرفه فأما إن عنى بسبيل الله الجهاد وأحواله فكان يلزمه البيان ليكون الجواب بحسبه ثم كان ينبغي له أن يبين من نبأه، فإن كان النبي صلّى الله عليه وسلّم كان محمولا على الرأس والعين، وإن كان عن غير النبي صلّى الله عليه وسلّم عرف بالقائل لنجيب عنه. وإن كان ابن عون نبى من النبوة بزعمه فقد كفر، وإن كان قال هذا القول من عنده وعزاه إلى من لا يعرف، فبهذا القدر يعرف كذبه، وأنه ليس بأهل لهذا القول وكان يلزم سليمان ابن حرب أن يبين من أين عرف أن أبا حنيفة وأصحابه من الصدادين.
وروى عن الخلال إلى حماد بن زيد قال ذكر أَبُو حنيفة عند البتي فقال: ذاك رجل أخطأ عظم دينه كيف يكون حاله؟.
وروى عن إبراهيم بن محمد إلى الفريابي قال سمعت سفيان يقول: قيل لسوار لو نظرت في شيء من كلام أبي حنيفة وقضاياه فقال: كيف أنظر في كلام رجل لم يؤت الرفق في دينه. قد أخذ بمذهب أبى حنيفة من هو خير من البتى وأجمعت الأمة على أن أبا حنيفة أحد فقهاء الأمصار والبتى لم يعرفه إلا آحاد الناس ولم يكن ممن يصلح لهذا القول.

الصفحة 69