كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

المؤمنين إنّ يحيى قد مات، فسرّ بذلك وقال: الحمد لله الذى كفانى أمره ولم يؤثمنى فيه. وانصرف جعفر فأخبر أباه يحيى بن خالد بما كان. فقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون، إن تركناه تلفنا. وإن قتلناه فالنار لنا. ثم كتب يحيى إلى على بن عيسى بن ماهان والى خراسان يعرّفه ما جرى. وفزع إليه أن يكون عنده موسعا عليه، إلى أن يقضى الله فيه قضاءه. ولم يكن يحيى يعلم ما كان بين على بن عيسى وبين الفضل وجعفر من العداوة. فلما وصل الكتاب إلى علىّ ووصل إليه يحيى قال: هذا من حيل الفضل وجعفر علىّ. فأجاب يحيى بأنه فعل ما أراد، وأنفذ كتاب يحيى إلى الرشيد. فكتب إليه الرشيد يعرفه بحسن موقع ذلك عنده، وأمره بانفاذ يحيى بن عبد الله إليه سرا. فلما وصل إليه أوقع بالبرامكة «1» .
هذا مما قيل فى سبب نكبة البرامكة أما كيفيّة الإيقاع بهم وقتل جعفر فقيل، إن الرشيد لما قضى حجّه أرسل السندى بن شاهك، وهو أحد قوّاده، وأمره أن يمضى إلى مدينة السلام والتوكل بالبرامكة وبدور كتّابهم وأقاربهم، وأن يجعل ذلك سرّا يحيث لا يعلم به أحد حتى يصل إلى بغداد، ففعل السندى ذلك، وكان الرشيد قد نزل بالأنبار بموضع يقال له العمر «2» ومعه جعفر، فمضى جعفر إلى موضعه فى سلخ المحرم، ودعا بأبى زكار الأعمى الطنبورى، ومدّت الستارة وجلس جواريه خلفها يضربن ويغنّين، وأبو زكّار يغنّيه:
ما يريد الناس منّا ... ما ينام الناس عنّا
إنّما همهم أن ... يكشفوا ما قد دفنّا

الصفحة 138