كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

قال: واستدعى الرشيد من ساعته بياسر، غلام من غلمانه، وقيل بمسرور الخادم، فأرسله فى جماعة من الجند إلى جعفر، ليضرب عنقه وليأتيه برأسه، فمضى حتى دخل على جعفر وعنده بختيشوع الطبيب، وأبو زكّار يغنيه:
فلا تبعد فكل فتى سيأتى ... عليه الموت يطرق أو يغادى
وكل ذخيرة لا بدّ يوما ... وأن بقيت «1» تصير إلى نفاد
فقال له جعفر: قد سررتنى بإقبالك إليّ، وسؤتنى بدخولك عليّ بغير إذن، فقال: الأمر أكبر من ذلك، إن أمير المؤمنين أمرنى بكذا وكذا، فأقبل جعفر يقبّل يديه ورجليه، ويقول: دعنى أدخل وأوصى، فقال:
لا سبيل إلى ذلك، ولكن أوص بما شئت، فأوصى بما أراد وأعتق مماليكه، ثم قال: إن لى عندك حقا ولن تجد مكافأتى إلا فى هذه الساعة، فارجع إلى أمير المؤمنين فأعلمه أنّك قد نفّذت كما أمرك به، فإن أصبح نادما كانت حياتى على يديك، وكانت لك عندى نعمة، وإن أصبح على مثل مذهبه نفّذ ما أمرك به، قال: ولا هذا، قال: فأسير معك إلى مضرب أمير المؤمنين بحيث أسمع كلامه ومراجعتك إياه، فإذا أبليت عذرا ولم يرض إلا بمصيرك إليه برأسى فعلت، قال: أما هذا فنعم، فسارا جميعا إلى مضرب الرشيد، فلما أتاه الخادم وجده فى فراشه، فلما أحس به قال: إيتنى برأسه، فعاد إلى جعفر وأخبره، فقال: الله الله، والله ما أمرك إلا وهو سكران، فدافع حتى أصبح أو راجعه ثانية، فعاد ليراجعه فقال له: يا ماص بظرأمه، إيتنى برأسه، فرجع إلى جعفر وأخبره، فقال ومرّة أخرى، فلما رجع إليه حذفه بعمود كان فى يده، وقال: نفيت عن المهدى لئن لم

الصفحة 139