كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

بنا ما صنعتموه بأنفسكم، فجاء الخادم وطرح عليه ثياب المنادمة، وجلس يشرب فلما بلغ ثلاثا قال: ليخفّف عنّا، فإنّه شىء ما شربته قط، فتهلل وجه جعفر ثم قال له: هل من حاجة تبلغها مقدرتى وتحيط بها نعمتى فأقضيها لك، مكافأة لما صنعت؟ قال: إن أمير المؤمنين عليّ غاضب فتسأله الرضى عنّى، قال: قد رضى عنك أمير المؤمنين، قال: وعليّ أربعة آلاف دينار، قال: هى حاضرة من مال أمير المؤمنين، قال: وابنى إبراهيم أريد أن أشد ظهره بصهر من أمير المؤمنين، قال: قد زوّجه أمير المؤمنين ابنته عائشة، قال: وأحب أن تخفق الألوية على رأسه، قال: قد ولّاه أمير المؤمنين مصر؛ قال إبراهيم بن المهدى: فانصرف عبد الملك، وأنا أعجب من إقدام جعفر على قضاء الحوائج من غير استئذان أمير المؤمنين، فلما كان من الغد وقفنا على باب أمير المؤمنين، ودخل جعفر فلم يلبث أن دعى بأبى يوسف القاضى ومحمد بن واسع وإبراهيم بن عبد الملك، فعقد له النكاح وحملت البدر إلى منزل عبد الملك، وكتب سجل إبراهيم على مصر، فأشار إليّ فصرت إلى منزله، فقال لى: قلبك معلّق بأمر عبد الملك، قلت:
بلى، قال: دخلت على أمير المؤمنين فمثلت بين يديه، وابتدأت القصة من أوّلها إلى آخرها كما كانت، فجعل يقول أحسن والله، ثم قال: ما صنعت؟ فأخبرته بما سأل وبما أجبته، فجعل يقول فى ذلك كله أحسنت أحسنت «1» ، وفى هذه الحكاية كفاية عما سواها.
ويقال إن عليّة بنت المهدى قالت للرشيد بعد إيقاعه بالبرامكة: ما رأيت لك يا سيدى يوم سرور تام، منذ قتلت جعفرا، فلأى شىء قتلته!! فقال لها: يا أختاه لو علمت أن قميصى يعلم السبب لحرقته.
وأمّا ما آل أمرهم إليه من الضرورة والفاقة والاحتياج والذلة، فمن ذلك ما حكاه عبد الملك بن عبد الله بن عبدون الحضرمى الإشبيلى فى كتابه

الصفحة 143