كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

المترجم بكمامة الزهر وصدفة الدرّ «1» قال:
حدث محمد بن غسان أن صاحب صلاة الكوفة وقاضيها قال:
دخلت على أمى فى يوم أضحى فرأيت عندها عجوزا فى أطمار رثة، وإذا لها بيان ولسان، فقلت لأمى من هذه؟ قالت: خالتك عتّابة أم جعفر بن يحيى، فسلّمت عليها فسلّمت علىّ، فقلت: أضارك الدهر إلى ما أرى «2» !! قالت: نعم- يا بنى إنما كنّا فى عوار ارتجعها الدهر منّا، فقلت: حدثينى ببعض شأنك، قالت: خذه جملة، لقد مضى علىّ أضحى مثل هذا مذ ثلاث سنين وعلى رأسى أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أنّ ابنى عاق لى، وقد جئتكم اليوم أطلب جلدى شاة، أجعل أحدهما شعارا والآخر دثارا، قال: فغمّنى ذلك وأبكانى فوهبت لها دنانير كانت عندى «3» .
وهذه نهاية الاحتياج والضرورة والفاقة، فنسأل الله تعالى ألا يسلبنا نعمة أنعم بها علينا، ويجعل الموت قبل بلائه ومحنه.
وكتب يحيى بن خالد إلى الرشيد «4» : لأمير المؤمنين وإمام المسلمين وخلف المهديين وخليفة رب العالمين، من عبد أسلمته ذنوبه وأوثقته «5» عيوبه، وخذله شقيقه ورفضه صديقه، وزلّ به الزمان وأناخ عليه الحدثان، فصار إلى الضيق بعد السعة وعالج البؤس بعد الدعة، وافترش السخط بعد الرضا، واكتحل السهر وافتقد الهجوع، فساعته شهر وليلته دهر، قد عاين الموت وشارف الفوت، جزعا «6» . يا أمير المؤمنين، حجب

الصفحة 144