كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

نصح الإمام على الأنام فريضة ... ولأهله «1» كفارة وظهور
قال: فلما أنشده قال الرشيد: أو قد فعل!! وعلم أن الوزراء قد احتالوا فى ذلك، قال: فسار الرشيد قاصدا إليه، وجعل قبل وصوله إلى هرقلة يفتتح الحصون والمدن ويحرقها، حتى أناخ على هرقلة وهى أوثق حصن وأعزه جانبا وأمنعه ركنا، فتحصّن أهلها، وكان بابها على واد ولها خندق يطيف بها؛ قال: فحدثنى شيخ من مشايخ المطوّعة وملازمى الثغور، يقال له على بن عبد الله قال حدّثنى جماعة من أهل الثغر:
أنّ الرشيد لما حصر أهل هرقلة وألحّ عليهم بالمجانيق والسهام والعرّادات فتح الباب ذات يوم، فاستشرف المسلمون لذلك، فإذا رجل من أهلها كأكمل الرجال، قد خرج فى أكمل السلاح فنادى: قد طال مواقفتكم إيانا فليبرز إلىّ منكم رجلان، ثم لم يزل يزيد حتى بلغ عشرين، فلم يجبه أحد، فدخل وأغلق الباب، وكان الرشيد نائما فلم يعلم بخبره إلا بعد انصرافه، فغضب ولام خدمه وغلمانه على تركهم إنباهه، وتأسّف لفوته، فقيل له إن الامتناع منه سيغريه «2» ويطغيه، وأحرى به أن يخرج فى غد فيطلب مثل ما طلب، فطالت على الرشيد ليلته وأصبح كالمنتظر له، فإذا بالباب قد فتح وخرج الرجل طالبا للبراز، وذلك فى يوم شديد الحر، فجعل يدعو أنه يثبت لعشرين منهم، فقال الرشيد: من له؟ فابتدره جلّة القواد كهرثمة ويزيد بن مزيد وعبد الله بن مالك وخزيمة بن خازم وأخيه عبد الله وداود بن يزيد وأخيه، فعزم على إخراج بعضهم، فضّج المطوعة حتى سمع ضجيجهم، فأذن لعشرين منهم فقال قائلهم: يا أمير المؤمنين، قوّادك

الصفحة 155