كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

مشهورون بالنجدة والبأس وعلوّ الصوت ومدارسة الحرب، ومتى خرج واحد منهم فقتل هذا العلج لم يكبر ذاك، وإن قتله العلج كان وصمة على العسكر قبيحة وثلمة لا تسدّ، ونحن عامّة لم يرتفع لأحد منّا صوت إلا كما يصلح للعامّة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يخلينا نختار رجلا فنخرجه إليه، فإن ظفر علم أهل الحصن أن أمير المؤمنين ظفر بأعرفهم «1» ، على يد رجل من العامة «2» من أفناء الناس، وإن قتل الرجل فإنما استشهد، ولم يؤثر ذهابه فى العسكر ولم يثلمه رجل، وخرج إليه بعده مثله حتى يقضى الله ما شاء، فقال الرشيد: قد استصوبت رأيكم هذا، فاختاروا رجلا يعرف بابن الجزرى «3» ، وكان معروفا فى الثغر بالبأس والنجدة، فقال له الرشيد:
أتخرج؟ قال نعم وأستعين بالله تعالى، فقال «4» : أعطوه فرسا ورمحا وسيفا وترسا، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا بفرسى أوثق، ورمحى بيدى أشد، ولكنى قد قبلت السيف والترس، فلبس سلاحه واستدناه الرشيد فودّعه وأتبعه الدعاء، وخرج معه عشرون من المطوّعة، فلما انقضّ فى الوادى قال لهم العلج- وهو يعدّهم واحدا واحد- إنما كان الشرط عشرين، وقد زدتم رجلا ولكن لا بأس، فنادوه ليس يخرج إليك إلا رجل واحد، فلما فصل منهم ابن الجزرى تأمّله الرومى، وقد أشرف أكثر الناس من الحصن يتأملون صاحبهم والقرن «5» ، فقال له الرومى: أتصدقنى عما استخبرك؟ قال:
نعم، قال: أنت بالله ابن الجزرى؟ قال: اللهم نعم، فكفر له ثم أخذا فى شأنهما، فتطاعنا حتى طال الأمر بينهما وكاد الفرسان يقومان، وليس

الصفحة 156