كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

عنّى الناس من الموالى والحرس وغيرهم، ولا آمن إن انتهى الخبر إلى طاهر أن يدخل علىّ ويأخذنى، وخرج بعد العشاء الآخرة ليلة الأحد، لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، إلى صحن الدار وعليه ثياب بيض وطيلسان أسود، فدعا بابنيه فضمّهما إليه وقبّلهما وبكى، وقال: استودعكما الله، ثم جاء راكبا إلى الشط فإذا حرّاقة هرثمة فصعد إليها، فذكر أحمد بن سلام صاحب المظالم قال: كنت مع هرثمة فى الحرّاقة، فلما دخلها الأمين قمت له، وجثى هرثمة على ركبتيه واعتذر له من نقرس به، ثم احتضنه هرثمة وضمّه وجعله فى حجره وجعل يقبّل يديه ورجليه وعينيه، وأمر هرثمة الحراقة أن تدفع، فشدّ علينا أصحاب طاهر فى الزوارق ونقبوا الحرّاقة، ورموا بالآجر والنشاب فغرقت الحرّاقة، وسقط هرثمة إلى الماء وسقطنا، فتعلّق الملاح بشعر هرثمة فأخرجه، وأما الأمين فإنّه شق ثيابه لما سقط فى الماء، قال أحمد بن سلام: وخرجت أنا إلى الشط فأخذنى رجل من أصحاب طاهر، فأتى بى إلى رجل آخر من أصحابه، وأعلمه أنّى من الذين خرجوا من الحرّاقة، فسألنى: من أنا؟ فقلت: أنا أحمد بن سلام صاحب المظالم مولى أمير المؤمنين، قال: كذبت، فاصدقنى، قلت: قد صدقتك، قال ما فعل المخلوع، قلت: رأيته قد شق ثيابه فركب، وأخذنى معه أعدو وفى عنقى حيل فعجزت عن العدو، فأمر بضرب عنقى فاشتريت نفسى منه بعشرة آلاف درهم، فتركنى فى بيت حتى يقبض المال، وفى البيت بوارى وحصر مدرجة ووسادتان، فلما ذهب من الليل ساعة وإذا الباب قد فتح، وأدخل الأمين وهو عريان وعليه سراويل وعمامة، وعلى كتفه خرقة خلقة، فلما رأيته استرجعت وبكيت فى نفسى، فسألنى عن اسمى فعرّفته، فقال:
ضمّنى إليك فإنى أجد وحشة شديدة، قال: فضممته وإذا قلبه يحفق، فقال: يا أحمد- ما فعل أخى. قلت: حىّ، قال: قبّح الله بريدهم!! كان يقول قد مات- شبه المعتذر من محاربته، فقلت: بل قبّح الله

الصفحة 184