كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

قال: نعم، قلت: سفك «1» الدماء، قال: والله ما هرقت دما منذ وليت إلا بحقه، قال: فأمسكت إمساك من ينكر عليه، فقال: بحياتى ما تقول؟ فقلت: يقولون إنك قتلت أحمد بن الطيّب- وكان خادمك، ولم تكن له جناية ظاهرة، قال: دعانى إلى الإلحاد- قلت له يا هذا أنا ابن عم صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلّم، وأنا الآن منتصب منصبه فألحد- حتى أكون من؟! فسكت سكوت من يريد الكلام، فقال: فى وجهك كلام؟ فقلت: الناس ينقمون عليك أمر الثلاثة الذين قتلتهم فى قراح القثّاء، فقال: والله ما كان أولئك الذين أخذوا القثاء، وإنما كانوا لصوصا حملوا من موضع كذا وكذا، ووافق ذلك أمر القثّاء، وأردت أن أهول على الجيش بأنّ من [عاث «2» ] فى عسكرى وأفسد فى هذا القدر كانت عقوبتى له هكذا ليكفّوا عمّا فوقه، ولو أردت قتلهم لقتلتهم فى الحال، وإنما حبستهم وأمرت بإخراج اللصوص من غد مغطين الوجوه ليقال إنّهم أصحاب القثّاء، فقلت: فكيف تعلم العامّة هذا؟ قال: بإخراج القوم الذين أخذوا القثّاء وإطلاقهم فى هذه الساعة، ثم قال: هاتوا القوم، فجاءوا بهم وقد تغيّرت حالهم من الحبس والضرب، فقال:
ما قصّتكم؟ فقصّوا عليه قصّة القثّاء، قال: أفتتوبون من مثل هذا الفعل حتى أطلقكم؟ قالوا: نعم، فأخذ عليهم التوبة وخلع عليهم وأمر بإطلاقهم وردّ أرزاقهم عليهم، فاشتهرت «3» الحكاية وزالت عنه التهمة.
وحكى عبد الله بن عبدون فى كتابه المترجم بكمامة الزهر وصدفة الدرر «4» :

الصفحة 361