كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

أنّ أحد كبراء دولته ووزرائه كان قد بنى بناء عاليا مشرفا على جيرانه، فلم يعارضه أحد منهم لمكانه من الخليفة، وكان يجلس فيه فنظر يوما إلى دار من دور جيرانه، فرأى جاربة بارعة الجمال فأولع بها، وسأل عنها وإذا هى ابنة أحد التجار، فخطبها «1» من أبيها فامتنع من زواجه- وكان من أهل اليسار، وقال: لا أزوّج ابنتى إلا من تاجر مثلى، فإنّه إن ظلمها قدرت على الانتصاف «2» منه، وأنت إن ظلمتها لم أقدر لها على حيلة، فأرغبه بالأموال وهو يأبى، فلما أيس منه شكى ذلك إلى أحد خواصّه، فقال:
ألف مثقال تقوم لك بهذا الأمر، فقال: والله لو علمت أنى أنفق عليها مائة ألف دينار وأنالها لفعلت، قال له: لا عليك تحضر لى ألف دينار، وأمر بألف دينار فأحضرت فأخذها الرجل، ومشى بها إلى عشرة من العدول، وذكر لهم الأمر وسهّله عليهم، وقال: إنّكم تحيون نفسا قد أشرفت على الهلاك، وقال: إنّه قد بذل لها كذا وكذا من المهر وأعلى لهم، وأبوها إنما هو عاضل لها وإلا فما يمنعه، وقد خطبها مثل فلان فى جلاله قدره، وقد أعطاها صداقا لا يعطى إلا لبنت ملك، ثم هو يتأبى- هل هذا إلا عضل بيّن؟ ولكم ألف مثقال لكل منكم مائة، وتشهدون أنّه زوجها منه على صداق مبلغه كذا وكذا، ورفع قدر الصداق إلى غاية، وقال: إن أباها إذا علم أنّكم قد شهدتم عليه رجع إلى هذا، وليس فيه إلا الخير والعزّ، فأجابوه إلى ذلك وأخذوا الذهب، وشهدوا أن أباها زوّجها منه على صداق كبير، فلما علم أبوها بذلك زاد نفاره، فمشى الوزير إلى القاضى وقال: إنى تزوّجت ابنة فلان على هذا الصداق وهؤلاء الشهود على أبيها، وقد أنكر ذلك، فأمر القاضى بإحضار أبيها فحضر، فشهد الشهود عليه، وأحضر

الصفحة 362