كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

الوزير مال النقد بين يدى القاضى- والرجل متماد على الإنكار، فحكم القاضى عليه وأمر بحمل المال إليه، وأن تؤخذ ابنته أحبّ أم كره، فأخذت منه ونقلت إلى الوزير، فأعمل أبوها الحيلة فى الوصول إلى المعتضد، وكان المعتضد غليظ الحجاب لا يصل إليه غير الخاصة، فقيل للرجل: إنه يحضر ساعة فى كل يوم لبنيان بنى له بقصره، فإن استطعت أن تكون فى جملة رجال الخدمة فإنّك تصل إليه، فغيّر الرجل شكله ودخل فى جملة رجال الخدمة للبناء، فلما جاء المعتضد ترامى الرجل إلى الأرض ونثر التراب على رأسه، فسأله المعتضد عن شأنه فقصّ عليه القصّة، فأحضر الوزير وأغلظ له فى القول، فحملته هيبة المعتضد على أن ذكر له الواقعة كما وقعت، ثم أحضر الشهود فقالوا كما قال، كل ذلك إجلالا له أن يقعوا فى الكذب بين يديه، وهم يظنّون أنّه لا يؤاخذهم لتمكن ذلك الوزير منه، فلما تبيّن له الأمر أمر أن يصلب كل شاهد منهم على باب داره، وأن يجعل ذلك الوزير فى جلد ثور طرىّ السلخ، ويضرب حتى يختلط عظمه ولحمه بدمه، فصنع به ذلك، ثم أمر أن يفرغ بين يدى نمور كانت عنده، فلعقته تلك النمور، وأمر بتسليم الجارية إلى أبيها، وأن تعطى ما أقرّ الوزير لها به من الصداق من عقار وغيره.
وحكى أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزى «1» :
أنّ شيخا من التجار كان له على أحد القوّاد فى أيام المعتضد بالله مال، قال التاجر: فمطلنى «2» وكان يحجبنى إذا حضرت إلى بابه، ويضع غلمانه على الاستخفاف بى والاستطالة علىّ إذا رمت لقاء؟؟؟
وتظلّمت إلى عبيد الله بن سليمان الوزير منه، فما نفعنى ذاك، فعزمت على الظلامة إلى المعتضد بالله، فبينما أنا مترو فى أمرى قال لى بعض أصدقائى:

الصفحة 363