كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

تخلّصت من أحد المكروهين، فخرجت متحاملا الى المسجد وصعدت المنارة وأذّنت، وجلست أطّلع إلى الطريق فأرتقب خروج المرأة من الدار «1» ، فما مضت ساعة حتى امتلأ الشارع خيلا ورجلا ومشاعل، وهم يقولون من ذا الذى أذّن؟ ففزعت وسكتّ ثم قلت أخاطبهم وأصدقهم عن أمرى لعلّهم يعينوننى على خروج المرأة، فصحت من المنارة: أنا أذّنت، فقالوا: أنزل وأجب أمير المؤمنين، فنزلت ومضيت معهم فإذا هم غلمان بدر، فأدخلنى على المعتضد بالله فلما رأيته هبته وأخذتنى رعدة شديدة فقال لى: اسكن- ما حملك على الآذان فى غير وقته؟ وأن تغرّ الناس فيخرج ذو الحاجة فى غير حينه، ويمسك المريد للصوم وقت قد أبيح له الأكل والشرب، قلت:
يؤمّننى أمير المؤمنين لأصدقه، قال: أنت آمن، فقصصت عليه قصة التركى، وأريته الآثار التى فى رأسى ووجهى، فقال: يا بدر- علىّ بالغلام والمرأة، فجىء بهما فسألهما المعتضد عن أمرها فذكرت له مثل ما ذكرت له، فأمر بإنفاذها إلى زوجها مع ثقة يدخلها دارها، ويشرح له خبرها، ويأمره «2» بالتمسك بها والإحسان إليها ثم استدعانى فوقفت بين يديه وجعل يخاطب الغلام ويسمعنى، ويقول له: كم رزقك؟ وكم عطاؤك؟ فيقول كذا وكذا «3» قال: فما كان لك فى هذه النعمة وفى هذه السعة وفى هؤلاء الجوارى ما يكفيك ويكفك عن محارم الله؟ وخرق سياسة السلطان والجرأة عليه؟ وما كان عذرك فى الوثوب بمن أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر «4» ؟
فأسقط فى يد الغلام ولم يكن له جواب يورده، ثم قال: يحضر جوالق ومداق الجص وقيود وغل. فأحضر جميع ذلك فقّيده وغلّه وأدخله

الصفحة 366