كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

يا خفيف «1» - أفيك خير؟ فقلت: لا يا مولاى، قال: ولا حتى تمسك فرسى وأنزل أنا إلى الأسد، فقلت: بلى، فنزل وأعطانى فرسه وشدّ أطراف ثيابه فى منطقته، واستلّ السيف ورمى بالقراب إلىّ، فأقبل يمشى إلى الأسد، فحين قرب منه وثب الأسد عليه فتلقّاه المعتضد فضربه، فإذا يده طارت فتشاغل الأسد بالضربة، فغشيه «2»
بأخرى ففلق هامته فخرّ صريعا، فدنا منه- وقد تلف- فمسح السيف فى صوفه، فرجع إلىّ فأغمد السيف وركب، ثم عدنا إلى العسكر «3» ، فإلى أن مات ما سمعته تحدّث بحديث الأسد، ولا علمت أنّه لفظ منه «4» بلفظة، فلم أدر من أى شىء أعجب:
من شجاعته وشدته أو من قلة احتفاله بما صنع حتى كتمه أو من عفوه عنّى، فما عاتبنى على ضنّى بنفسى.
وكان رحمه الله حسن الفراسة صادقا، فمن ذلك ما حكاه خفيف السمرقندى قال «5» :
كنت واقفا بحضرة المعتضد إذ دخل بدر وهو يبكى، وقد ارتفع الصراخ من دار عبيد الله بن سليمان الوزير عند موته، فأعلم المعتضد بالله الخبر، فقال: أو قد صحّ الخبر؟ أو هى غشية؟ قال: بل توفى وشدّ لحينه، فرأيت المعتضد بالله وقد سجد فأطال السجود، فلما رفع رأسه قال له بدر: والله يا أمير المؤمنين لقد كان صحيح الموالاة مجتهدا فى خدمتك عفيفا عن الأموال، قال: يا بدر- أظننت أنى سجدت سرورا بموته؟ إنما سجدت شكرا لله عزّ وجل إذ وفّقنى فلم أصرفه ولم أوحشه، ورفّهت على ورثته ما خلفه لهم من كسبه معى ما يجاوز قيمته ألفى ألف دينار، وقد كنت

الصفحة 373