كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

عزمت على أخذ ذلك منهم، وأن استوزر أحد الرجلين: إما جرادة- وهو أقوى الرجلين فى نفسى لهيبته فى قلوب الجيش، والآخر أحمد بن محمد بن الفرات وهو أعرف بمواقع الأموال، فقال له بدر: يا مولاى- غرست غرسا حتى إذا أثمر قلعته، أنت ربّيت القاسم وقد ألف خدمتك عشر سنين، وعرف ما يرضى حاشيتك، وجرادة رجل متكبّر ويخرج من الجيش جائعا وابن الفرات لا هيبة له فى النفوس، وإنما يصلح أن يكون بحضرة وزير ليحفظ المال، ومال القاسم وورثته لك أى وقت أردته أخذته، فراجعه المعتضد وبيّن له فساد هذا الرأى، فعدل عن المناظرة إلى تقبيل الأرض مرّات، فقال له المعتضد: قد أجبتك فامض إلى القاسم فعزّه بأبيه، وبشّره بتقرير رأيى على استيزاره، وليسلو عن مصابه، ومره بالبكور إلى الجامع، قال خفيف: فولّى بدر وخرجت معه فدعانى المعتضد [فعدت] «1» ، فقال: أرأيت ما جرى؟ قلت: نعم، قال: والله ليقتلنّ بدرا القاسم «2» - وكان الأمر كذلك، قتله فى خلافة المكتفى بالله على ما نذكره إن شاء الله، فقال خفيف: رحم الله المعتضد كأنّه نظر إلى هذا من وراء ستر.
وكان المعتضد رحمه الله جيد الشعر، فمن شعره ما قاله عند موت جارية كان يحبها وتحبه غاية المحبة، فلما «3» ماتت جزع لموتها جزعا منعه عن الطعام والشراب فقال «4» :
يا حبيبا لم يكن يع ... دله عندى حبيب

الصفحة 374