كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

إلى أحد سواى، وإن لم آل طلبك وقتالك بنفسى، ولو خضت البحر لخضته، ولو «1» اقتحمت النار لاقتحمتها، حتى أقتلك أو أموت قبل ذلك، وأوصاه ألا يقول له هذا القول إلا بعد الإياس منه، فسار أبو حميد وقدم على أبى مسلم بحلوان، فدفع إليه الكتب وقال: إن الناس يبلغونك عن أمير المؤمنين ما لم يقله، وخلاف ما عليه رأيه فيك- حسدا وبغيا، يريدون إزالة النعمة وتغييرها، فلا تفسد ما كان منك، وقال له: يا أبا مسلم إنك لم تزل أمين آل محمد، يعرفك بذلك الناس وما ذخره الله لك فى ذلك من الأجر عنده أعظم مما أنت فيه من دنياك، فلا تحبط أجرك ولا يستهوينّك الشيطان، فقال له: متى كنت تكلمنى بهذا الكلام!! فقال أبو حميد: إنك دعوتنا إلى هذا الأمر وإلى طاعة أهل بيت النبى صلّى الله عليه وسلّم فى بنى العباس، وأمرتنا بقتال من خالف، فدعوتنا من أرضين متفرقة وأسباب مختلفة فجمعنا الله على طاعتهم، وألف بين قلوبنا حتى أتيناهم فى بلادهم ببصائر نافذة، وطاعة خالصة، أفتريد حين بلغنا غاية منانا ومنتهى أملنا أن يفسد أمرنا وتفرّق كلمتنا؟ وقد قلت لنا: من خالفكم فاقتلوه، وإن خالفتكم فاقتلونى، فأقبل أبو مسلم على أبى نصر مالك بن الهيثم، وقال: أما تسمع كلامه لى!! ما هذا بكلامه، فقال مالك: لا تسمع كلامه ولا يهولنّك هذا منه، فلعمرى ما هذا كلامه، ولما بعد هذا أشد منه، فامض لأمرك ولا ترجع، فو الله لئن أتيته ليقتلنّك، ولقد وقع فى نفسه منك مالا يأمنك معه أبدا، فأمرهم بالقيام فنهضوا.
وأرسل أبو مسلم الكتب إلى نيزك فقال: لا أرى أن تأتيه، وأرى أن تأتى الرى فتقيم بها، فتصيّر ما بين خراسان والرى لك، وهم جندك لا يخالفونك، فإن استقام لك استقمت له، وإن أبى كنت فى جندك، وكانت خراسان من ورائك، وأنت ورأيك.

الصفحة 72