كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 22)

فدعا أبا حميد وقال له: ارجع إلى صاحبك فليس من رأيى أن آتيه، قال: قد عزمت على خلافه، قال: نعم، قال: لا تفعل، قال لا أعود أبدا، فلما أيس منه أبلغه الرسالة، فوجم طويلا ثم قال: قم كررها وارتاع لقوله. وكان المنصور قد كتب لأبى داود- خليفة أبى مسلم بخراسان- حين اتهم أبا مسلم: أن لك إمرة خراسان، فكتب أبو داود إلى أبى مسلم:
إنا لم نخرج لمعصية خلفاء الله وأهل بيت نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فلا تخالفنّ إمامك ولا ترجع إلا بأمره، فوافاه كتابه وهو على تلك الحال فزاده رعبا، فأرسل إلى أبى حميد فقال له: إنى كنت عازما على المضى إلى خراسان، ثم رأيت أن أوجّه أبا إسحاق إلى أمير المؤمنين فيأتينى برأيه، فإنه ممن أثق به فوجّهه، فلما قدم تلقاه بنو هاشم بكل ما يحب، وقال له المنصور: اصرفه عن وجهه ولك ولاية خراسان وأجازه، فرجع أبو إسحاق إلى أبى مسلم وقال: ما أنكرت شيئا، ورأيتهم معظمين لحقك، يرون لك ما يرون لأنفسهم، وأشار عليه أن يرجع إلى المنصور فيعتذر إليه، فقال له نيزك:
قد أجمعت على الرجوع؟ قال: نعم، وتمثل:
ما للرجال مع القضاء محالة ... غلب «1» القضاء بحيلة الأقوام
قال: فإذا عزمت على هذا فخار الله لك، احفظ عنى واحدة: إذا دخلت عليه فاقتله، ثم بايع لمن شئت، فإن الناس لا يخالفونك.
وكتب أبو مسلم إلى المنصور إنه منصرف إليه، وسار نحوه واستخلف أبا نصر مالك بن الهيثم على عسكره، وقال له: أقم حتى يأتيك كتابى، فإن أتاك مختوما بنصف خاتم فأنا كتبته، وإن أتاك بخاتمى كله فلم أختمه، وقدم المدائن فى ثلاثة آلاف رجل وخلف الناس بحلوان. قال: ولما دنا أبو مسلم من المنصور أمر الناس بتلقيه، فتلقاه بنو هاشم والناس؛ ثم قدم فدخل

الصفحة 73